استقبل العالم الإسلامى والشارع العربى كلمات الرئيس الأمريكى باراك أوباما، المعسولة، من خطابه الشهير فى القاهرة، يونيو من العام الماضى، بالتهليل والفرح، وكأنها جاءت على لسان المهدى المنتظر الذى جاء بعد غياب طال، وتعلقت قلوب هذه الشعوب بها، ورسمت على وترها أحلاماً عظيمة تتعلق بوقف وصمهم بالإرهاب وإجبار إسرائيل على وقف الاستيطان وحل سلمى جذرى لاحتلالها الأراضى العربية، وتناست هذه الشعوب، وقبلها رؤساؤها وملوكها أن أوباما رجل أمريكى، يعمل من أجل مصالح أمريكا العليا، وليس لغير ذلك، فقد أكد - حسب كتاب «أوباما والشرق الأوسط.. مقاربة بين الخطاب والسياسات» الصادر مؤخراً عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، للمؤلف الدكتور فواز جرجس، الذى يحمل كرسى الدراسات الدولية والشرق أوسطية، كما درّس فى عدة جامعات منها هارفارد، وأكسفورد، وسارة لورانس، وله العديد من الدراسات والكتب المتخصصة فى شؤون الشرق الأوسط، مراراً وتكرراً خلال حملتة الانتخابية وفى السنة الأولى من رئاسته - أنه سيستعمل كل جوانب القوة الأمريكية، لاسيما «القوة الناعمة» لخدمة مصالح الولاياتالمتحدة الحيوية فى جميع أنحاء العالم، فهو يستخدم هذه القوة – الناعمة - بطريقة نفعية جداً، بدلاً من استخدامها كوسيلة لنشر القيم الأمريكية. ولما كانت منطقة الشرق الأوسط تعتبر منطقة محورية فى سياسة أوباما الخارجية، من حيث الالتزامات الملحة التى تواجهها الولاياتالمتحدة وصورتها العامة فى العالم – حسب المؤلف - بدأ أوباما تواصله مع الشرق الأوسط بخطاب التنصيب الذى ألقاه، ثم لقائه الذى جاء فى الوقت المناسب مع قناة «العربية» الفضائية، تلاه خطابه التاريخى فى تركيا، ثم خطابه المهم للعالم الإسلامى من القاهرة، وفى كل واحد من هذه الخطابات، كان أوباما يعوّل على التفاؤل المتنامى فى المنطقة تجاه الرئيس الأمريكى الجديد ذى الأصول الأفريقية. كان هناك إحساس برياح تغيير مقبلة من واشنطن تلفح الصراع العربى – الإسرائيلى، وتُغير دور الولاياتالمتحدة التقليدى فى المنطقة، كما نما شعور بأن رجلاً اسمه «باراك حسين أوباما» سيفهم المنطقة أكثر من أسلافه ويتعامل مع الشرق الأوسط والعالم الإسلامى كشركاء بدلاً من تابعين، ويصحح الأخطاء والإساءات التى تسبب بها سلفه فى استخدام القوة والنفوذ الأمريكى. لكن دائماً – وحسب المثل الشائع- تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، فلقد مرت أكثر من سنة على تنصيبه رئيساً - كما يشير جرجس - وواقع النهج الذى يتبعه اتجاه المنطقة، الشرق الأوسط، فى تناقض صارخ مع الصورة الحماسية والمتفائلة لدور الولاياتالمتحدةالأمريكية فى الشرق الأوسط. فى الواقع – حسب الكتاب الذى يقع فى 110 صفحات - لا يلتزم أوباما بتعديل سياسة أمريكا بطريقة ثورية فى هذا المجال، بل تصحيح المسار الذى اتبعته إدارة بوش وإعادته إلى المسار التقليدى «الواقعية الحديثة» الذى طالما حدد المشاركة الأمريكية فى النظام الدولى. فاتسعت الفجوة الفكرية – كما يضيف فواز جرجس – التى تفصل بين مبدأ بوش وواقعية الرئيس أوباما الجديدة بتركيزها على المصالح الأمنية المشتركة والشراكة ومبدأ التعددية. لكن بتصميم أوباما على قيادة سياسته الخارجية على غرار الرئيس الراحل جون كينيدى، التمس من الأمريكيين قلب الصفحة على سياسات إشاعة الخوف التى مارستها إدارة بوش منذ هجمات 11 سبتمبر، وتعهد بالتواصل السياسى مع أعداء أمريكا. قال أوباما فى منظارة ديمقراطية لكتلة السود فى الكونجرس الأمريكى عام 2008: «لن ألتقى أصدقاءنا فقط، بل أعداءنا أيضاً، لأننى أتذكر قول كينيدى: إنه علينا ألا نفاوض أبداً من منطلق الخوف، بل علينا ألا نخاف التفاوض». يكمن فكر أوباما – كما يوضح المؤلف – فى تغذية رغبته فى العودة إلى الواقعية السياسية، وليس الليبرالية المستنيرة فى الشؤون الخارجية، وتسير سياسته الخارجية على خطى إدارة كلينتون السابقة، بالعودة إلى سياسة القوة والمصالح الوطنية، مع تأكيد أخف على حقوق الإنسان وسيادة القانون، فعلى إثر ذلك استعمل كلمات دلالية ورمزية تميز بين إدارته وإدارة سلفه، أى بوش، مثل «لن أعظ الدول الأخرى» وهى – حسب المؤلف – كلمة رمزية، ليقول: إن الأمن بدلاً من حقوق الإنسان وسيادة القانون هى السمات المميزة لسياسته الخارجية. كما أن إبداء الود والتقارب مع حلفاء أمريكا التقليديين فى المنطقة، وحتى سياسته تجاه السودان وليبيا وسوريا – كما يؤكد جرجس - هى مؤشر واضح على أن حقوق الإنسان وسيادة القانون ليستا على رأس قائمة أجندته. لكن أفضل ما يمكن أن يوصف به نهج الرئيس الأمريكى الحالى، أوباما، نحو ترويج الديمقراطية هو أنه مبهم وغير نشيط. وخلافاً لسلفه، فقد كان شديد الوضوح بقوله: «لا يمكن لأى دولة أن تفرض أى نظام حكم على دولة أخرى، ولا ينبغى لأى دولة أن تفعل ذلك». ومن غير المرجح – كما يؤكد فواز جرجس – أن تراهن إدارة أوباما على قوى المعارضة أو تعمل بنشاط على تعزيز الدمقرطة، فهى لن تضحى بمصالحها المادية الأساسية على مذبح حقوق الإنسان وسيادة القانون. بل إن فريق أوباما بقيادة وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون سيبحث عن أسلوب هادئ وتدريجى قليل المخاطر. يضيف الكاتب: «يقر مستشارو أوباما بأن الاستبداد السياسى هو العرف وليس الاستثناء فى الدول العربية. ومن المعروف جيداً أن الحكام العرب المستبدين يقمعون المعارضات السياسية المشروعة، ويخنقون المبادرات والابتكارات الشخصية، لقد أدت سياستهم القمعية والفاشلة على المدى الطويل – حسب المؤلف - إلى إرهاق وإضعاف المجتمعات العربية، وتسبب فى فقر مزمن وتفشى الفساد وصعود التطرف فى مقدمتها للكتاب قالت مؤلفته الدكتورة فاطمة سيد أحمد: هذه الفرضية لم تأت من فراغ، فمنذ ثمانين عاما و«الإخوان المسلمون» يريدون السلطة والحكم والسيطرة على الشارع المصرى باسم «الدين». ومع أن كل محاولاتهم على مدار هذه السنوات باءت بالفشل الذريع، لكنهم جماعة عنقودية لا تعطى لمن حولها فرصة أن يتوهم بأنه تم تحجيمهم.. أو الاقتناع بأنهم جماعة «دعوية» كما يلوّحون فى بعض الأحيان الحرجة بالنسبة لهم. وخلال السنوات العشر الأخيرة، وتحديدا من عام 1995 وحتى الآن، استغلوا فرصة عمرهم «الإصلاح السياسى» الذى أعقبه التحول للديمقراطية، حتى ولو كنا فى «سنة أولى» ديمقراطية، إلا أن الفرصة أتت وكان عليهم استغلالها بكل ما تحمله من معان واضحة أو دلالات يمكنهم الالتفاف حولها. وكان عام «الحسم» بالنسبة لهم 2005، الذى يعتبر النقطة الفاصلة فى تاريخ «الإخوان « فقد تمكنوا من أن يصبح لهم 88 عضوا فى البرلمان، ويحصلوا على مقاعد تحت مسمى «مستقلون» فى انتخابات مجلس الشعب، ومع أن عدد أعضاء البرلمان المصرى 444 عضوا، إلا أن «الإخوان» أعلنوا، بل فرضوا أنفسهم ككتلة مجمعة تحت القبة، وحاولوا إثارة الصخب والضجة ليعلنوا عن غرضهم الحقيقى، وهو «أنهم لسان حال الجماعة المحظورة، وليسوا مستقلين» وهى الصفة الحقيقية التى أتاحت لهم فرصة أن يصبحوا أعضاء بالبرلمان، وقد أراد المرشد محمد مهدى عاكف أن يثبت انتماءهم للإخوان، وعليه فقد قال للصحف الآتى: «رشحنا شخصيات من الصف الثالث، ولم نرشح الرموز، وهذا يؤكد أن الشعب اختار منهجا ولم يختر أشخاصا». والحقيقة التى يتضمنها هذا التصريح، أن الجماعة قدمت للساحة السياسية «كبش فداء» لتبقى رموز الجماعة فى الحفظ والصون، حيث لا برنامج سياسيا لها، ولا يوجد شىء اسمه منهج فى السياسة، لأنه شىء فضفاض ليست له محددات يمكن للشعب أن يحاسبهم عليه إذا لم يقدروا على تنفيذه، فى حين أن البرنامج يحمل خطة عمل جادة وواضحة ولها دلالات تنموية، وهذا البرنامج الجماعة غير مدربة عليه، ولا توجد لديها خبرة فيه.