يبدو أن أحد كتاب «المصرى اليوم» المرموقين أصبح منشغلاً بأعماله إلى درجة تدفعه للاعتماد على السمع مصدراً وحيداً لاستقاء المعلومات. ولأن صاحبنا كان قد قرر مهاجمتى مسبقاً، ربما مجاملة لأحد أصدقائه من الناشطين السياسيين، فقد تعلل بما سمع من أحد سائقى التوك توك، حسب روايته هو فى «المصرى اليوم» (السبت 6/1) ليقوم بأداء المهمة.. فماذا قال له سائق «التوك توك» المثقف؟ قال له إننى - وهنا أنقل كلامه حرفيا - «رددت كلاما من عينة أن هناك من المسيحيين المتعصبين مَن قرر أن يفجر الكنيسة لكى يدفع أمريكا إلى التدخل». ولأنه صدّق ما سمع، فقد سمح لنفسه بأن يعلق هو على ما كتبت أنا تحت عنوان «التطرف القبطى»، نقلا عن سائق «التوك توك» ودون أن يكلف نفسه عناء الرجوع إلى النص المكتوب، وليته علق بطريقة تساعد قراءه على فهم الخلاف، لكن لم يكن عنده، للأسف، غير الشتائم والسب والقذف.. فماذا قال؟ قال: إننى «لم أفكر حتى فى شهادة الدكتوراة التى أحملها» وإن ما كتبته «أمر يساهم فى رد الاعتبار للدكتور البرادعى الذى يثبت يوما بعد يوم أن له نظرة فى الناس»، لكن ما علاقة هذا بالموضوع الذى يناقشه إن كان لديه موضوع أصلا؟ لذا لا أجد ما أرد به على هذا الشاب المغرور الشتام سوى: سامحك الله يا سيدى وغفر لك! غير أن رد فعل صاحبنا يهون إذا ما قورن بكتَّاب آخرين من إخواننا الأقباط، فقد بعث لى أحدهم برسالة عبر البريد الإلكترونى، تحمل عنوان: «قصة قصيرة جدا»، نصها كالتالى: «لبس صاحبنا عباءة العلم وتنحنح وتقيأ بضع ألفاظ متفجرة، ثم افترض أن الحياد يقتضى وضع الجميع محل الاتهام والشك، مقتديا بمسلسل القط الأسود القديم. ومصادفة جاء موقع الجناة الحقيقيين خلف ظهر سيادته، فكان أن وجه سهام اتهامه العلمية المنطقية الفذة للضحية وأهله، ليأتى بعدها دور العدو الصهيونى والإمبريالى. قل يحيا العلم والمتعالمين، والاستعباط والمستعبطين، والتدليس والمدلسين». ومرة ثالثة، كان هذا التعليق، على قسوته، أهون من غيره. فقد احتوت تعليقات أخرى كثيرة على شتائم بالأب والأم، وبكل لغات العالم، يمنعنى الحياء من ذكرها هنا. ومع ذلك يقتضى الإنصاف أن أقول إننى تلقيت رسائل ومكالمات هاتفية شديدة التحضر من قراء أقباط لا أعرفهم، بدت متفهمة فحوى ما كتبت، وعاتبة فقط على التوقيت.. وقد رددت عليها جميعا عبر حوار هادئ كان ينتهى غالبا بالاتفاق التام. أود أن أنتهز هذه الفرصة لأقول إننى لا أضيق مطلقا بأى نقد موضوعى، أو حتى غير موضوعى، شريطة الالتزام بآداب الحوار، أما الذين لا يملكون سوى الشتائم للرد على وجهات النظر المخالفة فلا يستحقون منى سوى الرثاء والشفقة لحالهم.. لكن المؤلم أكثر من السباب نفسه، أن يتطوع أحد بالرد على شىء لم يقرأه أو لم يستوعبه، فعندما كتبت عن «التطرف القبطى»، لم يكن الهدف توجيه الاتهام لأى طرف وإنما الدعوة الملحة للبحث عن القتلة والمحرضين، دون استثناء أحد ممن يمكن أن تحوم حولهم الشبهات. ولأن التحقيق فى جريمة بهذه البشاعة لا يتعين، من وجهة نظرى، أن يستثنى أحداً ممن يثيرون نعرات طائفية، سواء كانوا مسلمين أو يهوداً أو أقباطاً، فقد كان من الطبيعى أن أطالب بتوسيع دائرة الاشتباه لتشمل كل المنظمات المتطرفة والمتعصبة طائفيا. بما فى ذلك «الجمعية الأمريكية القبطية» التى يترأسها موريس صادق، والتى تحرض على الفتنة صباح مساء، وتعتبر كل مسلم فى مصر محتلا غازيا، يتعين تطهير أرض الأقباط منه، بل تدعو علنا إلى التحالف مع إسرائيل لتحقيق هذا الهدف. سواء كنت محقا فى المطالبة بتوسيع دائرة الاشتباه على هذا النحو أم لا، يفترض أن يتوصل التحقيق الشفاف، الذى أصر عليه، إلى القاتل الحقيقى الذى لم أستبعد مطلقا أن يكون مسلما متعصبا، لكن يبدو أن البعض مازال يصر على الترويج لفكرة أن الإرهاب ظاهرة إسلامية بالضرورة، وأن المسلمين هم وحدهم مَن يمكنهم الإقدام على هذا الفعل الشنيع، دون أن يتنبهوا إلى ما تنطوى عليه وجهة النظر هذه من مسحة طائفية وعنصرية. وهذا منطق أرفضه جملة وتفصيلا وأعتقد أنه يعكس ثقافة «التوك توك» التى أصبحت مسؤولة إلى حد كبير عن إشاعة هذا المناخ غير الصحى فى بلادنا.. التطرف لا دين له، وعلينا أن نتعاون جميعا، مسلمين وأقباطا، لمكافحته، لأنه يهدد الجميع ولا يستثنى أحدا، أما الذين يصرون على أنهم يعرفون مرتكب المجزرة مسبقا ولن يصدقوا أنه الفاعل الحقيقى إلا إذا كان مسلما ومن الداخل، فرأيى أنهم لا يختلفون كثيرا فى الواقع عن جماعة موريس صادق التى تنظر إلى كل المسلمين فى مصر باعتبارهم غزاة محتلين يتعين طردهم بالتعاون مع الإسرائيليين! لقد أنهيت مقالى المتهم بالعبارة التالية: «من المهم جدا معرفة حقيقة ما حدث، سواء مَن حرض على هذه الجريمة البشعة أو من نفذها. لذا يتعين على الجهة التى سيوكل إليها التحقيق أن تتحلى بأعلى قدر من النزاهة والشفافية، وألا تستبعد أى احتمال، لأن تشكيل لجنة تحقيق مستقلة فى هذا الحادث لم يعد مطلبا قبطيا وإنما هو مطلب وطنى عام».. ألا يكفى هذا؟.. وإذا كان البعض يعرف القاتل مسبقا، فلم التحقيق؟! أيها السادة.. فى جسدنا جرح متقيح، فهل نملك الشجاعة لفتحه وتطهيره؟!