بمزاج كئيب، وبروح كسيرة، وبقلب مكسور، فاجأنى الأنبا يوأنس، سكرتير البابا شنودة الثالث، على الهواء مباشرة بأن الاحتفال الأرثوذكسى بعيد الميلاد المجيد، الذى يحل ضيفاً كريماً علينا ليلة 7 يناير، يصعب إقامته هذا العام فى ظل الحزن الذى يُجلّل الأقباط، وحالة الحداد المعلنة على ضحايا المجزرة السكندرية. استنكف الأنبا يوأنس دعوتى أن يكون ميلاداً باهراً، قداساً عالمياً، قداسك يا وطن.. تصدح فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وإبراشياتها وكنائسها وأديرتها بطول وعرض البلاد تراتيل الميلاد المجيد، تدق أجراس الكنائس، تضاء الشموع، وإن ذرفت الدموع، قداساً بعرض الوطن، يحضره المسلمون قبل الأقباط، يتدافع إليه المسلمون كل من مكانه، كل يهرع إلى أقرب كنيسة، يوقد شمعة، يحمى بروحه قبل جسده إخوته، يمكّنهم من الاحتفال كما يشاءون ويحبون. التفكير، مجرد التفكير، فى إلغاء قداس عيد الميلاد المجيد هو المقصود بعينه، بالضبط هذا ما خططت إليه تلك العصابة الآثمة: ترهيب الأقباط، منعهم من تأدية صلواتهم، وإضاءة كنائسهم، تغلق أديرتهم.. يرومون انكفاء الأقباط، انسحاب الأقباط، حزن الأقباط، بكاء الأقباط، كم تُفرحهم دموع الأرامل والثكالى والأيتام، تعجبهم خشية الأقباط على حالهم ومالهم وعيالهم، يدفعونهم دفعاً لالتماس الأمان فى بلاد أخرى، عجباً بابا روما يطلب حماية المسيحيين فى مصر. التفكير، مجرد التفكير، فى إلغاء قداس عيد الميلاد حزناً وحداداً على الأرواح البريئة ليس حداداً ولا حزناً بل انهزاماً.. الحداد الحقيقى أن نقيم القداس لأجلهم، لأرواحهم، أن نقيم القداس لتبقى شمعة الكنيسة «منوّرة» فى مصر لا تنطفئ أبداً، مصر التى احتضنت المسيح فى المهد صبياً، تحتضن شعبه الكريم، لا تفرط فيهم أبداً، ولا تتهاون فى حمايتهم أبداً وتضعهم جوار القلب وفى نِن العيون، إخوة لنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا. التفكير، مجرد التفكير، فى إلغاء القداس حزناً وألماً بهدف إعلان الألم فى كل العالم لن يفيد الأقباط فى شىء، يفيد المجرمين أمام العالم، يوصل رسالتهم إلى كل العالم، الأقباط ليسوا فى مأمن فى مصر، الأقباط فى مرمى النيران، لقمة سائغة، الأقباط فى مصر ليسوا كالأقباط فى العراق، الأقباط فى مصر تحميهم المساجد قبل الكنائس تحميهم الجيرة والأخوة، والأرض الطيبة، لن يهرع إلى الأقباط إلا المسلمون، لم يحزن لحزن الأقباط إلا المسلمون. مع كامل احترامى لحزن وألم البابا شنودة، فإن قداسته قادر على تحويل الألم إلى أمل، وكم دقت على الرؤوس من خطوب، تصنيع الأمل من حواشى الألم مهمة البشر الموهوبين، والبابا موهوب فى قيادة شعبه روحياً، قادر على بلسمة الجراح، وغسل الأحزان، وحده البابا بعد الله قادر على قيادة شعبه لتخطى المحنة، مستنداً إلى رئيس كل المصريين (الرئيس مبارك) الذى هزته الصدمة، فخرج على شعبه ينعى شباباً من وطنه.. البابا سيمشى الدرب متكئاً على إخوة مسلمين هزّهم الخطب الجليل. قداسة البابا لابد أن يتخارج من حالة الحزن إلى تحد للإرهاب، إلى حالة ألق وطنى، يسمو بالحالة القبطية فوق الجراح، ضحايا المجزرة مصريون، لا نميز بينهم، والبابا مصرى، والهم مصرى، والألم مصرى، كما أن القداس مصرى، وعيد الميلاد مصرى، والكنيسة مصرية، للمسلمين فيها ما للأقباط، القداس حق عليك، وحق لنا، وحق للوطن، قدّاسك يا وطن.