لا أظن أن الكلام سوف ينتهى عن الانتخابات بهذه السرعة، ولا أظن أننا يمكن أن نقلب هذه الصفحة الآن، باعتبار أن كل أحداث مصر تنتهى بعد أيام من وقوعها.. لا شىء من ذلك قد يحدث، لأن الانتخابات البرلمانية هذه المرة أشبه بزلزال مدمر.. لابد أن تكون له توابع عديدة.. وبناء عليه، فلو أن الكلام قد هدأ بشأنها محلياً، فلا أتصور أن ينتهى عالمياً.. حيث كانت مصر فى بؤرة الحدث.. شاءت أم أبت! أما السبب من وجهة نظرى.. فهو أن انتخابات مصر كانت تشبه قصة الكوخ المحترق.. فما هى قصة الكوخ المحترق أولاً؟.. يحكى أن عاصفة هبت على سفينة فى عرض البحر فمزقتها، وكاد كل من عليها يموت غرقاً.. إلا أن القدر أنقذ أحد الركاب، لأنه يعرف العوم، أو لأنه تشبث بحطام السفينة حتى ألقت به على ظهر جزيرة.. وهناك بنى له كوخاً خشبياً من بقايا الأشجار، حتى يواصل الحياة وحيداً أيضاً! واستقرت الحياة بصاحبنا عدة أيام.. حتى جاءت عاصفة أخرى، مثل التى تهب على مصر هذه الأيام.. بينما كان الرجل يشعل ناراً حتى يستأنس.. وهنا اشتعل الكوخ، وبكى الرجل وحدته.. وكانت المفاجأة المدوية، أن احتراق الكوخ كان سبباً، حتى تتجه إليه سفينة قريبة من الشاطى لإنقاذه.. وبالفعل عاد الرجل من جديد إلى الحياة والناس على ظهر مركب النجاة! لم يعرف الرجل أن احتراق الكوخ، كان سبباً حتى يعرف به العالم الخارجى، ولم يعرف الرجل أن احتراق الكوخ كان سبباً جديداً للنجاة.. بعد أن كاد يفقد الأمل.. وبعد أن كاد يفقد إحساسه بأنه لا حل غير الموت.. هذه هى القصة.. أما علاقتها بانتخاباتنا البرلمانية، فهى لا تحتاج إلى جهد كبير.. سواء لما ارتبط بها من متابعة عالمية، أو لما أريد أن أشير إليه من تفاؤل أو أمل.. يبقى كامناً فى تفاصيل قصة الكوخ المحترق! فلا أحد ينكر أن احتراق الكوخ كان مدخلاً للنجاة، ولولا واقعة الاحتراق، ما كان أحد يدرى بحال ذلك الرجل.. وما كانت قد توجهت إليه سفينة الإنقاذ والنجاة.. ولا أحد ينكر أنه لولا احتراق الانتخابات المصرية، واشتعال النار فيها، ما كان أحد يدرى ما حدث فيها من تلاعب وتزوير وتقفيل، كشف عن فساد الانتخابات، وكشف عن خسارة مصر أولاً.. وطرح فكرة الحل، قبل أن يبدأ البرلمان أولى جلساته، وقبل أن يستخرج النواب كارنيهات العضوية! احتراق الكوخ هو الذى تبدت منه بوادر النجاة.. وتزوير الانتخابات هو الذى حذر من فكرة احتكار البرلمان.. وهو الذى يهدد مصر عالمياً بأنها تمارس الاستبداد.. وهو الذى قد يؤثر على مناخ الاستثمار.. وهو الذى قد يعجل بحل البرلمان.. وهو الذى يهدد شرعية انتخابات الرئاسة.. ولو أن الانتخابات شهدت قليلاً من الوعى السياسى، ربما لم تشهد لغطاً بهذا الحجم، وربما لم يكن الرئيس مبارك الآن، يبحث مع مستشاريه المخرج القانونى من الأزمة! السؤال: من الذى أحرق الأرض؟.. ومن الذى أحرق الكوخ؟.. ومن الذى كان وراء هذه النتيجة «المهزلة»؟.. ومن الذى جعل ملاحقة البرلمان ضرورة دولية حتى يسقط؟.. ومن الذى جعل بطلان نصف المجلس على الأقل قضية قانونية؟.. وأخيراً: من الذى فعل بمصر هكذا، وهتك عرضها على قارعة الطريق؟! صراحة، ماذا يقول الرئيس مبارك اليوم، حين يستقبل الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى؟.. هل يقول إنها انتخابات نزيهة وتاريخية؟.. هل يقول «مبروك للنواب»؟.. هل يدرس أثر الانتخابات البرلمانية على الانتخابات الرئاسية؟.. هل يعاقب الذين أحرقوا البرلمان، ونكسوا راية مصر؟.. هل يقول لهؤلاء «اخص.. الله يخيبكم.. دى عملة تعملوها»؟!.. لا أدرى ماذا يفعل الرئيس...