وزير العمل : عرض قانون العمل الجديد على مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الجارى    مجلس النواب يواصل مناقشة قانون التعليم والابتكار.. ربط مخرجات التعليم بمتطلبات سوق العمل    بمشاركة 150 طالبًا.. بدء فعاليات مبادرة 100 يوم رياضة بكلية التجارة بجامعة جنوب الوادي (صور)    طلب إحاطة بشأن عمال وزارة الزراعة الذين لم يتقاضوا المرتبات منذ ثلاث سنوات    أسعار الذهب اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024    أسعار البطاطس والثوم والخضار في أسواق الإسكندرية اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    محافظ أسيوط يتفقد محطة رفع صرف صحي البنك الدولي بالمعلمين بحى غرب    المؤتمر العالمي للسكان.. وزير الصحة يترأس مائدة مستديرة حول «التنمية البشرية والسكان في مصر»    ميقاتي: أهم أولوياتنا وقف إطلاق النار في لبنان ونتمسك بتنفيذ قرار 1701    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ورئيس مجلس النواب اللبناني    الأهلي يقرر عرض كهربا للبيع    تعرف علي موعد نهائي السوبر المصري بين الأهلي والزمالك والقناة الناقلة    الأرصاد: طقس الإثنين مائل للحرارة.. واضطراب الملاحة على هذه الشواطئ    بحفل جماهيري كبير.. «سعيد الارتيست» يُبهر جمهور الإسكندرية بمقطوعات وجمل فنية ومواويل صعيدية ب«سيد درويش» (صور)    وزير الصحة ونظيره اليوناني يتفقدان مستشفى العاصمة الإدارية الجديدة    في يومه العالمي.. «الصحة» تكشف 3 أسباب للإصابة بهشاشة العظام (تعرف على طرق الوقاية والعلاج)    جهاد جريشة يحسم الجدل بشأن هدف الأبيض.. ويؤكد: ثنائي الأهلي والزمالك يستحقان الطرد    عاجل:- رئاسة الأركان العامة للجيش الكويتي تنفي نقل أسلحة إلى إسرائيل عبر القواعد الجوية الكويتية    قتلى في الغارة الإسرائيلية على بعلبك شرقي لبنان    حزب الله يستهدف منطقة عسكرية إسرائيلية في الجولان المحتل بالطيران المسير    الإسكان تعلن تعديل حدود الدخل للتقديم على شقق الإسكان الاجتماعي ضمن مبادرة "سكن لكل المصريين"    وفاة المعارض التركي فتح الله كولن في أمريكا    نقيب الصحفيين: لن نفتح باب الانتساب إلا بعد موافقة الجمعية العمومية    قوى عاملة النواب: قانون العمل يسهم في جذب الاستثمارات والحد من مشكلة البطالة    تفاصيل استبعاد كهربا من معسكر الأهلي في الإمارات.. مفاجآت الساعات الأخيرة    عمرو أديب يشيد بكلمة الرئيس السيسي حول صندوق النقد الدولي والإصلاح الاقتصادي    وزير الصحة اليوناني يشيد بجهود الدولة المصرية للنهوض بالمنظومة الطبية    مالك مطعم صبحي كابر: الحريق كان متعمدًا والتهم الطابق الثالث بالكامل    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال استهدف مدرستين تؤويان نازحين في جباليا    حزب الله يعلن إسقاط هرمز 900 إسرائيلية    علي جمعة يكشف حياة الرسول في البرزخ    أبرزهم هشام ماجد ودينا الشربيني.. القائمة الكاملة للمكرمين في حفل جوائز رمضان للإبداع 2024    حظك اليوم برج القوس الاثنين 21 أكتوبر 2024.. مشكلة بسبب ردود أفعالك    أول حفل ل غادة رجب بعد شائعة اعتزالها.. «تغني بالزي الليبي»    «زي النهارده».. تدمير وإغراق المدمرة إيلات 21 أكتوبر 1967    هل النوم قبل الفجر بنصف ساعة حرام؟.. يحرمك من 20 رزقا    خلال ساعات.. نظر استئناف المتهم بقتل اللواء اليمني حسن العبيدي على حكم إعدامه    عاجل.. كولر «يشرح» سبب تراجع أداء الأهلي أمام سيراميكا ويكشف موقف الإصابات في نهائي السوبر    موقع تحديث بطاقة التموين 2024.. والحكومة تكشف حقيقة حذف 5 سلع تموينية    إصابة 10 أشخاص.. ماذا حدث في طريق صلاح سالم؟    حادث سير ينهي حياة طالب في سوهاج    المندوه: السوبر الإفريقي أعاد الزمالك لمكانه الطبيعي.. وصور الجماهير مع الفريق استثناء    لبنان.. إخلاء بلدية صيدا بسبب تهديدات الاحتلال الإسرائيلي    لاعب الأهلي السابق: تغييرات كولر صنعت الخلل أمام سيراميكا    حسام البدري: إمام عاشور لا يستحق أكثر من 10/2 أمام سيراميكا    6 أطعمة تزيد من خطر الإصابة ب التهاب المفاصل وتفاقم الألم.. ما هي؟    22 أكتوبر.. تعامد الشمس على معبد أبو سمبل الكبير    «هعمل موسيقى باسمي».. عمرو مصطفى يكشف عن خطته الفنية المقبلة    في دورته العاشرة.. تقليد جديد لتكريم رموز المسرح المصري ب"مهرجان الحرية"    مزارع الشاي في «لونج وو» الصينية مزار سياحي وتجاري.. صور    هل كثرة اللقم تدفع النقم؟.. واعظة الأوقاف توضح 9 حقائق    كيف تعاملت الدولة مع جرائم سرقة خدمات الإنترنت.. القانون يجب    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى الخليفة دون إصابات    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    زوجى يرفض علاجى وإطعامي .. أمين الفتوى: يحاسب أمام الله    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأرستقراطى
نشر في المصري اليوم يوم 08 - 12 - 2010

الحاج عبدالجواد أو فى قول آخر عبدالجواد بك كبير عائلة من أعيان بحرى، أكمل مدرسته قسراً فى مطلع القرن العشرين، ثم تفرغ لإدارة أطيان العائلة التى ورثها من أبيه، رزقه الله بأربعة أبناء سمى أكبرهم عبدالباسط على اسم والده.
وكعادة أهل الريف فى الزمن البعيد عاش الأبناء فى عاصمة الإقليم ليحظوا بتعليمهم العالى، وأنهى عبدالباسط دراسة الحقوق والتحق بوظيفة حكومية محترمة، وحقق لوالده كل ما تمناه لابنه البكرى.
وعندما حان وقت الزواج تحقق الحلم الأكبر، حين رضيت به عائلة أرستقراطية من عائلات المرحلة، عائلة لغتها الأولى الفرنسية، وعروس تخرجت فى أرقى المدارس، وقضت إجازات صيفها فى أوروبا حين كانت رأس البر مصيف الموسرين، ولعل قيام الثورة واختلاط الأوراق ساعد حينئذ على إتمام هذه الزيجة، زيجة تساءل أعمام الزوجة عن سبب تسرع أخيهم فى قبول العريس الذى لا يرقى لمتطلبات أرستقراطيتهم، وعلت وجوه الخالات علامات الاستفهام على الجلف عريس صافيناز، حتى اسمه بالنسبة لهم كان علامة على أنه من مستوى اجتماعى مختلف ومتخلف، عبدالباسط اسم شديد الفلح إذا جاز التعبير.
تزوج عبد الباسط من صافيناز، زواج ملئ بالبروتوكول والأدب، عبد الباسط يوفر كل ما تطلبه صافيناز، وهى وضعت لنفسها هدفاً أن تخلصه من غبار الريف الذى يغلفه.
وجاء الولد الأول، وكانت المشكلة الأساسية فى تسميته، فعبدالباسط يريده عبدالجواد تيمناً بوالده، وصافيناز تريده تيمور اسم أبناء الذوات.
وانتهى الصراع بفرض الأب إرادته ولعلها آخر مرة يفرض رجل البيت كلمته، رغم عدم اقتناع صافيناز بأن خير الأسماء ما حُمد وعُبد.
نشأ عبدالجواد فى بيت هادئ يجمع كل الأضداد، أب هادئ بسيط وعلى طبيعته، وطبيعته ليست بالضرورة مقبولة من صفوة المجتمع الذى تعيشه أمه، وأمه بنت الأكابر صورة طبق الأصل لما صورته أفلام الثلاثينيات والأربعينيات للطبقة الأرستقراطية فى مصر.
بالكاد عرف أن اسمه عبدالجواد حتى أول يوم له فى المدرسة، فصافيناز هانم لم تنادِ سوى بجيجو منذ رأت عيناه النور، وكأنها تلغى آثار هزيمة تسميته باستراتيجية موثقة، وفى مدرسته الفرنسية كان أسهل للجميع أن ينادونه جيجو، فهو اسم أكثر أوروبية وأسهل على اللسان.
وعاش جيجو حياة أطفال الأرستقراطية مع أب أبعد ما يكون عن الأرستقراطية، وبرغم هذا كان عبدالباسط يملأ قلب جيجو عشقاً، فالولد لم ير من أبيه سوى كل ما هو طيب، ولم يشعر يوماً أن أباه يستطيع له شيئاً ولم يقدمه.
ورغم أن حياته كانت أغلبيتها على ما رسمته أمه، فإن جيجو كانت سعادته الأكبر فى الأوقات القليلة، التى كانت تفرضها الواجبات العائلية أن يقضيها مع أعمامه وأولاد أعمامه- من فرع العائلة البلدى- كما كانت صافيناز هانم تصفهم، حتى إنه كان يبتسم لنفسه عند وجود واجب عزاء، فهى فرصة غير محسوبة ليلتقى عائلة أبيه، لم يكن يمقت أو يلفظ حياته الأرستقراطية بل كان يتمتع بها، ولكن شيئاً فى كيانه كان يحب بساطة وتلقائية أقاربه أولاد الأعيان، كان يحب عدم تقيدهم بمراسم أو مقدمات، رغم أنه كان يتعامل معهم بمراسم وبروتوكولات صافيناز هانم دون أى تنازلات، بل كان يندهش داخلياً من تصرفاتهم وكثيراً ما تساءل كيف يعيشون هكذا؟
ولعل مأتم والده كان ملتقى العالمين، فقد حضر أهل قريته عن بكرة أبيهم ولم يحضروا ربع قرآن ويذهبوا، بل احتلوا دار المناسبات طيلة الأمسية، فعبد الباسط ظل متواصلاً معهم طوال حياته يؤدى لهم ما يستطيع من خدمات، وفى الناحية الأخرى من دار المناسبات جلس أصدقاء جيجو من أهل الزمالك، ومعهم آل صافيناز بالبدل الداكنة وأربطة العنق الأنيقة ومناديل الجيب، وفى أحيان كثيرة بالسيجار الكوبى والسبحة الفضية وغيرها من علامات ولزوم الشياكة البرجوازية.
ولعل الأغرب أن نصف العزاء كان يتحدث العربية والنصف الآخر يتحدث الفرانكو أراب.
وعلى باب العزاء كان المعزون يقفون للحظة ليتحروا إذا كانوا فى المكان الصحيح، فقد وقف جيجو وخاله بطلعة أولاد الباشوات وبجانبهم الأعمام يبدون وكأنهم انتهوا لتوهم من حرث الأرض.
وليلة فرح جيجو التزم أهل عبد الباسط الربع الأقصى من قاعة أفراح الماريوت، واستمتع أهل أمه وأهل عروسه الأرستقراطية بالكافيار وكؤوس الشمبانيا، وكانت ليلة انتصار الأرستقراطية المعذبة وإعلانها الاستمرارية برغم المد الفظيع لأصحاب الثروات الجديدة فى المجتمع المصرى.
فى هذه الليلة فرح أرستقراط مصر الأصليين برسوخ جذورهم وامتدادها للمستقبل.
ولم يكن جيجو معارضاً لزواجه، بل كان مقبلاً عليه، ولم يقف لحظة عند عدم درايته بأى شىء عن عروسه، برغم طول فترة الخطوبة، فالبروتوكول وحسن التصرف من الطرفين لم يكشف أى عيوب أو حتى شوائب فى أى منهما.
وكانت صافيناز هى الأكثر سعادة، فقد عاشت الحلم يتحقق، فأهل العروسة يذكرونها بأهلها، ومن طريقة التعامل مع الشوكة والسكينة، إلى أسلوب اللبس صباحاً وظهراً ومساءً، إلى فرش المنزل بل امتدت إلى أدق التفاصيل، فقد حظى ابنها بما تمنته لنفسها.
وعاش جيجو العامين الأولين فى هذه الزيجة، يؤدى ما عليه كما هو منتظر منه، ولكنه بدأ يسأم الحياة المنمقة الكاملة التى يعيشها، كان البروتوكول والتقاليد يحكمان كل خطوة، بل كان كل نفس يأخذه بحساب حتى أنه لم يصل يوماً أن ينادى زوجته باسم دلع خشية أن يكون غير لائق، وما زال يتذكر طقوس أداء الواجبات الزوجية طبقاً للجدول، حتى إنه حين كان يصل لحظة التنفيذ يكون قد فقد شهوته.. وكانت زوجته وأمه كأنهما توأم روح وجدت فيها أمه شبابها الذى لم تعشه، وتفهمت زوجة جيجو كيف قاست حماتها فى عيشتها من رجل دون الأرستقراطية برغم حب العشرة الذى تولد لدى الحماة تجاه عبد الباسط، وعلمتها الحماة طرق التعامل مع مناسبات عائلة الأعيان، فتمرض حتى تتفادى الأفراح، وتزور المرضى فى المستشفى لتنأى بنفسها عن زيارة بيوتات دون المستوى، وكيف تؤدى واجب العزاء متأخرة لتتفادى كثرة النحيب، ففى الأرستقراطية الواجبات لا تهمل ولكن تؤدى فى التوقيت والمكان المختار، وكالعادة فى فرح ابن عمه أصاب الزوجة أحد أمراضها السياسية، وذهب جيجو وحده ليشارك أهله فرحتهم، فى هذه الليلة رأى أهل أبيه من منظور مختلف، رأى أناساً سعيدة وعلى سجيتها، رأى عروساً ترقص من قلبها وتبارى المحترفات دون حمرة خجل، سمع المطرب المشهور يغنى كما لم يسمعه من قبل، وعزا ذلك إلى تفاعل وانسجام السامعين مع كل كلمة وكل نغمة، رأى فتيات عائلته فى حالة نشوة جعلت صافيناز تغادر الحفل بعد أقل من نصف ساعة، ولم لا فقد أدت الواجب المنوط بها فى غياب عبدالباسط، وفى وسط أجواء الفرح هذه، شدته زوجة عمه، والدة العريس، ليرقص معها على أنغام شرقية وتجاوب معها كى لا يكون المدعو الوحيد الذى ما زال جالساً على كرسيه، ولأول مرة فى حياته يرقص على أنغام شرقية فى مكان عام، باعتبار أن الحمام مكان شديد الخصوصية، ورقص كما لم يرقص فى حياته، ولم يهمه دهشة من حوله، فقد تحرر فى هذه الليلة، تحرر تماماً وأحس أنه عبد الجواد قلباً وقالباً، وفى طريق عودته إلى منزله اتخذ قراره، لن يظلم أحداً وخاصة نفسه، بل على العكس سيضمن سعادة الجميع، وفى صباح اليوم التالى استدعى والدته وفى حضرة زوجته أعلنهما أنه قرر إنهاء الزواج مع تحمله كل التبعات مادية كانت أم معنوية، وخدمته الأرستقراطية التى تمنع المناقشة وتفضل قبول الأوضاع ببروتوكولات ودون استجداء. ولم يصدق نفسه، فحتى أمه لم تطل الحوار، وكان تفسيره الوحيد أنه ربما كان الطلاق فى عرفهم شياكة، ولم يأخذ وقتاً طويلاً قبل أن يقابل صديقة ابنة عمه، وكان أمراً طبيعياً وهو الذى انغمس اجتماعياً فى عائلة الأعيان. ومثلما قرر الانفصال وبالسرعة نفسها قرر الارتباط، فبداخله أحس أنه وجد مرساه، وأنه كالشارد الذى وجد الضوء الذى طالما بحث عنه.ولم يبالِ بنظرة القرف التى ارتسمت على وجه صافيناز هانم طوال زيارتهما لبيت العروس حين ذهبوا لخطبتها، ومن يوم زواجهما حتى يومنا هذا لا يستطيع أحد وصف عبد الجواد إلا وصفاً واحداً، انه إنسان سعيد، سعادة تظهر فى كلامه وفى ابتسامته الدائمة، وفى أولاده الذين تعشقهم أمه برغم ازدرائها لطريقة تربيتهم وأحياناً مظهرهم، سعادة تملأ الأفق حين تزور عبدالجواد فى بيته فيقابلك بالجلباب، طبعاً طالما صافيناز هانم غير موجودة.
«تكون ناجحا فى حياتك عندما يصبح كل ما تريده منها هو كل ما تحتاجه»
فيرنون هوارد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.