لم أكن أعلم أن لدى «صقور وحمائم» الحزب الوطنى على حد سواء «دماً خفيفاً» بهذا الحجم الذى جعلنى أستلقى على ظهرى من الضحك عندما تقدموا ببلاغ للنائب العام ضد مرشحى جماعة الإخوان المسلمين. لقد كان هذا بالنسبة لى «نكتة» الموسم، ويجب أن نعتبر الحزب الوطنى هو «كوميديان هذا العام»، ويجب على رجالات الحزب الأقوياء الأشداء ألا يهدروا هذه الموهبة بعدم الكشف عن المواهب الأخرى التى لدى الحزب والتى لم تتح لنا الأحداث معرفتها.. وأقترح أن يلتحقوا بأحد المسارح الشتوية أو الانضمام إلى الفنان عادل إمام ليرثوا خفة دمه. وبعيداً عن فكرة اكتشاف أن مرشحى الجماعة ينتمون لتنظيم محظور قانوناً، فإننى أريد أن أسأل «هؤلاء» عدة أسئلة، وهى: من أين لهم بهذا الاكتشاف العظيم؟.. ومَنْ مِنْ أجهزة الاستخبارات فى العالم كان وراء هذه المعلومات.. هل هى الاستخبارات الأمريكية أم الروسية أم المخابرات الهندية؟.. ومن ذا الذى أوحى لهم بأن هؤلاء يتبعون هذا التنظيم المحظور.. ثم لماذا البلاغ كان ضد المرشحين فقط، ولم يشمل «التنظيم المحظور» القابع فى حى المنيل.. أم أن المرشحين كان من نصيبهم هذا البلاغ وسيكون للتنظيم «افتكاسة» أخرى؟. وما جعلنى أضحك أكثر وأكثر هو ما قاله الدكتور على الدين هلال، القيادى البارز بالحزب الوطنى، وهو رجل له كل الاحترام والتقدير.. لكن ما ذكره فى برنامج برلمان 2010 على قناة «ONTV» مع الزميل عبدالرحيم على عندما سأله الأخير عن سر التوقيت، الذى تقدم فيه الحزب الوطنى بالبلاغ، ولماذا الآن رغم أن هؤلاء المرشحين المنتمين للتنظيم المحظور يدخلون البرلمان منذ عشرات السنين، ويعرفهم القاصى والدانى؟ رد الرجل المحترم قائلاً: «كنا نجمع الأدلة والمعلومات».. ووجدتنى أضحك ملياً.. لأن الرجل وحزبه الكبير يجمعان معلومات وأدلة منذ ثمانين عاماً وهو أمر يثير الشفقة والسخرية فى آن واحد شكل فى تقديرى تعبيراً حياً عن كيفية تفكير هؤلاء الرجال الذين يقودون دولة بحجم مصر.. كيف لحزب يقول عن نفسه إنه حزب الأغلبية ويقود دولة فى حجم مصر أن يتصرف بهذا الشكل نحو جماعة يعرف العالم كله أنها جماعة «محظورة قانوناً» وليست شرعية وأن مرشحيها يملأون الدنيا ويشغلون الناس؟.. ألا يعرف هؤلاء أن لدى هؤلاء المرشحين ما يسمى الكتلة البرلمانية للإخوان فى مجلس الشعب ولها مقر رسمى فى شارع الإخشيد بالمنيل.. ويعقدون المؤتمرات الصحفية واللقاءات ويقيمون التحالفات ويعقدون الصفقات ويمثلون عنواناً رسمياً للجماعة؟. ألا يعرفون أن جماعة الإخوان المسلمين لها قيادات يسافرون للخارج بصفاتهم التنظيمية ويلتقون مسؤولين فى دول أخرى، سواء كانوا نواباً أو غيرهم.. ألا يعلم هؤلاء أن الجماعة لها مقر بالمنيل به قيادات الجماعة، ولها مكتب يسمى مكتب الإرشاد، ويعقد اجتماعات دورية؟ لقد ظللت أفكّر فى هذا البلاغ، الذى قدمه «الحزب الوطنى»، ولم أصل إلى كنه الذى فعلوه سوى أن الجماعة المحظورة رغم التجاوزات والتضييق الممارس ضدها قد انتصرت على الحزب «سياسياً» على الرغم من أن هذا الحزب وراءه دولة بكاملها سخرت مقدراتها لتحمى مرشحيه وتعينهم فى المعركة ضد الإخوان المسلمين. لقد نجحت جماعة الإخوان المسلمين «سياسياً» حتى وإن لم ينجح لها أعضاء فى البرلمان وإن رسب كل مرشحيها. لقد استطاعت هذه الجماعة بكل ما لديها من إمكانيات ضئيلة بالمقارنة بالإمكانيات المسخرة لهذا الحزب، أن تنتصر عليه، وتلقنه درساً كبيراً. نجح هؤلاء فى أن يستخدموا الشارع استخداماً حقيقياً، فتعاطف معهم.. ولقنوا الحزب درساً قاسياً فى الإسكندرية.. عندما استصدروا أحكاماً قضائية توقف الانتخابات من كثرة التجاوزات، التى أقامها هذا الحزب ودروعه ولا عليك بسير الانتخابات بعد ذلك باستصدار حكم بالاستمرار «المهم أنهم صنعوا أزمة» وهو غاية ما يريدون. إن أفضل كلمة يجب أن توجه لأجهزة الأمن فى وزارة الداخلية فى هذا المعترك.. هو أن هذه الأجهزة الوطنية يتحمل رجالها أخطاء السياسة والسياسيين.. ويدفعون من دمائهم ودماء أبنائهم ضريبة الأخطاء السياسية التى يفعلها هذا الحزب، الذى أقدر أن لديه رجالاً محترمين، لكن يبدو أن مفارقة تقديم مثل هذا البلاغ الساذج فاقت كل تصور.. مبروك لجماعة الإخوان هذا الانتصار.. شكراً لوزارة الداخلية.. ولا عزاء لأصحاب الدم الخفيف.