"إن الأمن في الخليج العربي هو إمتداد لأمن مصر"... تصريح أدلى به الرئيس المصري (حسني مبارك) داخل إطار جولته الخليجية في الأيام القليلة الماضية وأكدّ عليه وزير الخارجية السيد (أحمد أبو الغيط) بصيغة أخرى قائلاً: "تقف مصر مع دول مجلس التعاون الخليجي وإلى جوار السعودية ضد أي تهديد مضيفاً أن أمن مصر يعد إمتداداً إستراتيجياً لأمن الخليج" من الواضح أن التصريحين - وإن لم يكونا بالجديدين فقد سبقته تصريحات مشابهة من سنوات - المقصود بهما هو التهديد القادم من دولة إيران الواقعة على الضفة الأخرى من الخليج الفارسي كما تصرّ على تسميته. دول حديثة النشأة لا تؤمن بالإعتماد على قوات مسلحة لحمايتها كون ذلك يتعارض مع الطبيعة الملكية لهذه الدول تعيش قلقاً يتزايد مع تنامي القدرات العسكرية وخصوصاً النووية للجمهورية الشيعية المذهب والتي تحتل بالفعل جزراً تابعة لدولة الإمارات. فلماذا تقلق مصر وهذا الخطر بعيد جغرافياً عنها؟ الحقيقة أن مصر التي تتحكم في أهم مضيق ملاحي في العالم وهو قناة السويس لا تستطيع أن تترك مضيقاً مثل مضيق هرمز الواقع بمدخل الخليج يقع تحت السيطرة الإيرانية مما يمثل تهديداً لحركة الملاحة القادمة من وإلى قناة السويس. ولا نستطيع أن ننسى حجم العمالة المصرية الضخم والذي يعد بالملايين منتشرين في كافة دول الخليج طالما كانت مستقرة أما في حال حدوث أي مغامرات عسكرية من المؤكد أن مصر لن تستطيع استيعاب هؤلاء الملايين الذين سيهبطون مصر فجأة، ولنا في الغزو العراقي للكويت عبرة. ناهيك عن توقف الإستثمارات الخليجية في مصر وتدني معدلات السياحة العربية، ولذلك كان الرئيس (مبارك) محقاً حين قال إن أمن الخليج هو إمتداد لأمن مصر التي ستتأثر إقتصادياً وسياسياً وأيضاً مذهبياً من تنامي المد الشيعي إذا فكرت إيران وعبرت إلى الضفة الأخرى من الخليج. ولهذا يجب أن تتحرك مصر... فلا تكفي تصريحات الدعم السياسي حتى لو كانت على مستوى القادة وكذلك لن يفيد الإعلان بين حين وآخر عن مناورة عسكرية مشتركة هنا أو هناك. بوضوح، لا بديل عن قاعدة عسكرية مصرية في الخليج... تواجد عسكري مصري دائم بالخليج - بالاتفاق طبعاً مع الدولة المستضيفة - يوفر أمناً متبادلاً لمصر قبل دول الخليج ولكن... هل ستسمح الولاياتالمتحدةالأمريكية بذلك وهي التي تحتكر بقواعدها العسكرية مهمة الحفاظ على أمن الخليج؟ في تقديري أن إجابة هذا السؤال هي إجابة مصيرية لمستقبل أمن الدول العربية لمدة الخمسين عاماً القادمة. فالأمر يحتاج لإرادة جماعية في فرصة زمنية لن تتكرر مجدداً، فالضغوط الأمريكية تزداد على إيران والتهديد بشن ضربة عسكرية بات أمراً يهم أمريكا كما يهم الدول العربية، وهنا ينبغي أن تستغل الدول الخليجية الفرصة وتتحرر قليلاً من هيمنة الولاياتالمتحدة التي أصبحت أمراً واقعاً. بالطبع من السذاجة القول أن الدول الخليجية عليها أن تطلب من أمريكا أن ترحل بعتادها وقواتها هكذا ببساطة، فهناك إتفاقيات ممتدة لعشرات السنين، لكن الحل يأتي مع ما فعلته دولة الإمارات... فالبرغم من وجود قاعدة عسكرية أمريكية في الإمارات إلا أنها أقدمت على أمر غير مسبوق في الخليج وهو الإتفاق مع فرنسا على إقامة قاعدة عسكرية بحرية على مضيق هرمز حيث تطل دول الإمارات وكذلك دولة إيران من الجهة المقابلة. الفرنسيون أنفسهم وصفوا إنشاء هذه القاعدة العسكرية والتي إفتتحها بالفعل الرئيس الفرنسي (نيكولا ساركوزي) بالإنقلاب في السياسة الخارجية لفرنسا، فما المانع أن تجري مصر إنقلاباً جريئاً هي الأخرى؟ القاعدة العسكرية المصرية في الخليج مطلب ضروري للجميع وينبغي تجاهل الدعاوى المتخلفة التي ستظهر حتماً مع ذلك المشروع الأمني العربي، كون أن الجيش المصري سيعمل كجنود مرتزقة لحساب الآخرين أو مثل تلك الأقاويل الغوغائية، فحقيقة الأمر أن الجيش المصري يدافع عن أمن بلاده الذي يبدأ من الخليج.