أثار الإعلان عن مرض العاهل السعودى، عبدالله بن عبدالعزيز، وتوجهه للولايات المتحدة لإجراء فحوصات طبية وتلقى العلاج من انزلاق غضروفى وتجمع دموى حول العمود الفقرى، الحديث مجددا عن التنافس على السلطة بين أجنحة العائلة المالكة فى المملكة العربية السعودية، البلد الأكثر أهمية استراتيجية فى شبه الجزيرة العربية بسبب مكانته السياسية واحتوائه على خُمس احتياطى النفط فى العالم، والذى تعتبره الولاياتالمتحدة حليفاً حيوياً لها فى المنطقة. قالت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية إن نزاعاً حول الخلافة فى السعودية كشف عن وجود صراع على السلطة، أدى إلى تراجع دور واحد من أبرز أمراء المملكة النفطية، وهو ولى العهد، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، عن الساحة، ثم اختفاء ابنه بندر عن الحياة العامة. ويؤكد الخبراء والمطلعون على الشأن السعودى أن الأنباء الواردة من السعودية تؤكد وجود صراعات بين أركان الأسرة الحاكمة، وبخاصة بين من يسمون الجيل الجديد بقيادة (بندر بن سلطان) ضد الجيل القديم المتمثل فى الملك الحالى، مشيرين إلى أن جناح العائلة المالكة الملقب ب«السديريين» يقف ضد جناح الملك وأعوانه من قبيلة شمر، وفى خلفية المشهد يأتى الصراع القبلى بين الحجازيين والنجديين، وتؤكد المعلومات الواردة أن الولاياتالمتحدة على علم بهذه الصراعات. وحذر الخبراء من احتمالية انقسام الأمراء فى صراع قوى كما حدث فى الستينيات، عندما أدخل سباق هذا العقد ولدين آخرين من أبناء عبدالعزيز هما «فيصل، وسعود» فى صراع ضد بعضهما، وتسبب فى أذى كبير للعائلة المالكة. وفى هذا الإطار، اعتبر المحلل السياسى بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، سيمون هندرسون، أن نقل رئاسة قوات الحرس الوطنى إلى نجل الملك السعودى «يجعل التنافس بين الملك وعدد من كبار الأمراء يصل لذروته»، مضيفاً، فى تقرير عن الوضع فى المملكة صدر الأسبوع الماضى، «ليس أمامنا إلا أن ننتظر لنرى إذا كان تغيير القيادة فى المملكة صمم بعناية، أم أنه سيؤدى إلى صراع مفتوح». كان العاهل السعودى (86 عاماً) قد قلل من نشاطاته منذ يونيو الماضى دون أن يصدر توضيحاً رسمياً للأمر، فيما أوكل الملك للأمير نايف، النائب الثانى لرئيس الوزراء، وزير الداخلية، رعاية موسم الحج، بينما عين نجله الأمير متعب رئيسا لقوات الحرس الوطنى ووزيرا للدولة وعضوا فى مجلس الوزراء. فى غضون ذلك، أشارت تقارير إخبارية إلى عودة ولى العهد، الأمير سلطان بن عبدالعزيز، الأخ غير الشقيق للملك عبدالله، إلى الرياض قادماً من المغرب، بعد أن أمضى حوالى 12 أسبوعا فى قصره فى مدينة أغادير المغربية. كان نشاط ولى العهد (85 عاما) قد انحسر بشكل كبير بسبب فترة العلاج والنقاهة المطولة منذ عام 2008. وعلى الرغم من أن الأمير خالد بن سلطان قال مؤخراً إن والده «يتحسن وإن حالته الصحية فى تقدم»، فإن محللين ودبلوماسيين يذكرون أنه فى عام 2005، أجرى الأمير سلطان عملية فى السعودية بسبب ورم فى الأمعاء، وفى أبريل 2008، غادر إلى جنيف فى زيارة قيل وقتها إنها لإجراء فحوصات روتينية، بينما أتم الأمير سلطان فحوصاً طبية بعد عملية جراحية أجريت له فى نيويورك فى فبراير 2009 لم تعلن تفاصيلها، إلا أن مصادر رجحت إصابته بالسرطان. ولتبديد أى توترات ناجمة عن غياب الملك، نشرت وكالة الأنباء السعودية مؤخراً أنباءً عن قيام الأمير سلطان بأنشطة خلال تواجده فى المغرب، فيما طمأن الملك عبدالله الشعب السعودى على صحته الثلاثاء الماضى خلال استقباله جموع المهنئين بحلول عيد الأضحى المبارك، مؤكداً أنه يتمتع بصحة جيدة، ومطلقاً النكات عما إذا كان المرض الذى ألم به «هو انزلاق غضروفى أم عرق النساء». لكن الأقاويل حول تدهور الوضع الصحى لولى العهد، زادت بعد قرار تعيين الأمير نايف بن عبدالعزيز، الأخ غير الشقيق للعاهل السعودى، وشقيق الأمير سلطان، نائباً ثانياً لرئيس الوزراء بالسعودية فى مارس 2009، فى خطوة اعتبر المحللون أنها قد تحول دون حدوث فراغ فى السلطة، حال تعرض الملك وولى عهده لمشاكل صحية خطيرة، كما أنها تضع الأمير نايف فى موقف قوى لأن يصبح ولياً للعهد أو ملكاً يوماً ما. وإذا ما توفى الأمير سلطان، قبل الملك عبدالله، فإن ولى عهد جديدا لابد أن يعين. وقبل عام 2006 كان اختيار ولى العهد رسمياً من شأن الملك وحده، ولكن الملك عبدالله أنشأ جهازا جديدا فى ذلك العام، هو «هيئة البيعة»، التى تتكون من أبناء وأحفاد الملك المؤسس، عبد العزيز (الملقب أيضا بابن سعود)، لتكون مهمتها تأمين انتقال الحكم ضمن آل سعود، لا سيما عبر المشاركة فى اختيار ولى العهد. وقالت صحيفة «القدس العربى» إن الكثير من الأمراء فى أوساط الأسرة الحاكمة يعبرون فى جلساتهم الخاصة عن قلقهم من استمرار الأوضاع على الوتيرة الراهنة فى قمة الدولة، ويتحدثون عن ضرورة إجراء تغييرات تدفع بدماء جديدة وشابة فى شرايين الحكم. ونقلت الصحيفة عن خبير فى الشؤون السعودية، قوله إن هناك عدة خيارات أمام العاهل السعودى، منها أن يعين الأمير نايف ولياً للعهد، ونائباً لرئيس مجلس الوزراء وهو منصب يمارسه حالياً كأمر واقع، أو أن يدعو هيئة البيعة إلى جلسة طارئة لاختيار ولى جديد للعهد، وذلك فى الوقت الذى تؤكد فيه المؤشرات أن صحة الأمير سلطان أصبحت تحول دون ممارسته مهامه.