سبق أن كتبت مقالاً تحت عنوان «أرجوك.. فهمنا» فى جريدة «المصرى اليوم» الصادرة بتاريخ 31/5، ناشدت فيه الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية بصفته رئيس المجلس الأعلى للأجور أن يشرح لنا تصريحاته فى ذلك الوقت، التى قرر فيها أن الحد الأدنى المناسب للأجور هو 400 جنيه مصرى شهرياً، وقد رجوته فى مقالى آنذاك أن يشرح لنا كيفية التوصل لهذا الرقم، وقلت له بالعربى الفصيح «أرجوك.. فهمنا» وكررتها بالإنجليزية «بليز... فهمنا»، لأن المواطنين وأنا منهم يظنون- وبعض الظن إثم- أن الحد الأدنى المناسب يجب ألا يقل عن 1200 جنيه شهرياً. ولأنه يصعب علينا تصور أن 400 جنيه أى حوالى 13 جنيها يومياً يمكن أن تكفى الغذاء والكساء والسكن والانتقالات بخلاف العلاج لا قدر الله لفرد واحد، فكيف بفرد يعول ثلاثة أو أربعة أفراد.؟! وكان سيادته قد برر عدم إمكانية إلزام أصحاب الأعمال بدفع 1200 جنيه حداً أدنى لأجور العمال، بأن ذلك سوف يؤدى إلى حدوث زيادة وصفها بالمركبة فى أسعار السلع، نتيجة لتحميلهم فارق التكلفة على أثمان منتجاتهم، مما يقود إلى التضخم والغلاء، لم يأخذ سيادة الوزير فى الاعتبار أن هناك- ربما- جوانب إيجابية فى رفع الحد الأدنى للأجور إلى 1200 جنيه، منها على سبيل المثال زيادة الإنتاج، فالعامل الذى يتقاضى 400 جنيه ويعانى شظف العيش، لا يمكن أن تتساوى إنتاجيته مع العامل الذى يقبض 1200 جنيه ويجتهد للحفاظ على مصدر رزقه، الذى يوفر له لقمة العيش، وزيادة الإنتاج تؤدى إلى وفرة السلع فى البلاد وتمنع حدوث التضخم وغلاء الأسعار، هذه واحدة والثانية أن زيادة الحد الأدنى للأجور سوف تؤدى بلا شك إلى زيادة نشاط السوق، ورواج المنتجات مما يشجع الشركات على زيادة الاستثمار، هذا من ناحية رفع الحد الأدنى للأجور فى القطاع الخاص، أما بالنسبة للحكومة والقطاع العام، فقد سبق أن ذكر سيادة الوزير أن الموظفين الذين يعملون بالجهاز الإدارى للدولة ويقبضون أقل من 400 جنيه لا يتعدون 200000 من إجمالى ستة ملايين موظف، ولا شك أن هذه الأرقام صحيحة فهى صدرت عن وزير عهدناه صريحاً ومسؤولاً، ولكن ما يهم هو عدد المواطنين الذين يعملون فى الدولة برواتب تقل عن 1200 جنيه على اعتبار أن 1200 جنيه هو حد الفقر محسوباً على أساس 2 دولار أى 10 جنيهات مصرية فى اليوم، وأن الفرد يعول ثلاثة أشخاص، صحيح أنه سوف يترتب على رفع الحد الأدنى للأجور فى الجهاز الحكومى زيادة فى أعباء الدولة، وصحيح أن موازنة الدولة هذا العام بلغت 480 مليارا منها 280 مليارا توفرها موارد الدولة، والباقى يتعين على الدولة تدبيره عن طريق ديون خارجية و داخلية، مما يجعلنا نتفهم رغبة الدولة فى تجنب زيادة الإنفاق، التى سوف تترتب على رفع الحد الأدنى لأجور العاملين فيها، وعلى الرغم من أننا نقدر ذلك، فإن ذلك يجب ألا يمثل حائلاً دون الوصول بالحد الأدنى لأجور العاملين بأجهزة الدولة إلى ما فوق حد الفقر الذى نظن أنه لا يقل عن 1200 جنيه شهرياً. وإن كانت الحكومة تصر على تعويض هذه النفقات فالحلول كثيرة، منها زيادة الضرائب على السلع الكمالية لزوم الرفاهية، أو رفع الدعم عن بعض السلع التى يسرف القادرون فى استخدامها، أو ربما زيادة رسوم الخدمات فى بعض الحالات، المهم أن نكفى الموظفين شر الحاجة، ونمنعهم غلبة الفاقة، وما نعلمه مما يترتب عليهم من شرور.. وحتى لا نكون كالنعام ندفن رؤوسنا فى الرمال.