اعتمد مجلس جامعة الدول العربية فى اجتماعه يوم الأربعاء الماضى موقف «اللجنة الوزارية لمتابعة مبادرة السلام العربية» بالموافقة على مفاوضات غير مباشرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ورغم تأكيد المجلس عدم جدية إسرائيل فى التوصل إلى تسوية إلا أنه أراد فى الوقت نفسه منح جهود الوساطة الأمريكية «فرصة أخيرة»، لتحقيق تقدم فى «العملية السلمية» خلال فترة لا تتجاوز أربعة أشهر سيتم بعدها سحب ملف الصراع من الوسيط الأمريكى والعودة به من جديد إلى المؤسسات الدولية المعنية، خاصة مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان. إذا تأملنا مضمون القرار فسنجده يثير التهكم والسخرية بأكثر مما يثير الاعتراض أو الاستهجان، ويعكس وضعا مهينا لعالم عربى لم يعد أحد يأخذه على محمل الجد أو يقبل التعامل معه بمنطق الندية والاحترام. فاللجنة التى أوصت بالتفاوض لا تملك صلاحية النظر فى الموضوع أصلا لأنها معنية بالترويج للمبادرة العربية وليس بإدارة العملية التفاوضية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، والجهة التى تم التصريح لها باستئناف التفاوض لم تعد تملك شرعية التحدث باسم شعبها لأن صلاحياتها انتهت منذ أكثر من عام، والتفاوض غير المباشر المصرح باستئنافه لم ينقطع أصلا لأن جورج ميتشيل يمارسه منذ أكثر من عام بلا جدوى، والمؤسسات الدولية التى تهدد الجامعة باللجوء إليها لم تعد تخيف أحدا، خصوصا إسرائيل والولاياتالمتحدة. والسؤال: لم هذا القرار إذن؟ وما هى دلالاته؟ لا يوجد تفسير لدىّ سوى أنه يقدم تغطية سياسية لسلطة فلسطينية لم تعد تملك أى أوراق تفاوضية، والنتيجة العملية الوحيدة التى سيتمخض عنها هو منح إسرائيل مهلة إضافية لبناء مزيد من المستوطنات، والاستمرار فى خطط تهويد القدس، واستكمال بناء الجدار العازل، وكلها خطوات ضرورية لترسيخ إسرائيل الكبرى دولة يهودية بمقتضى الأمر الواقع. وليس لذلك فى تقديرى سوى معنى واحد وهو أن العالم العربى أدمن سياسة الهروب إلى الأمام. غير أن هذه السياسة تؤجل المشكلات ولا تحلها، وتعقدها ولا تيسرها. ولأنه لن يكون بوسع أى سلطة فلسطينية أو أى نظام عربى حاكم، مهما كان، أن يرضخ فى نهاية المطاف لتسوية بالشروط الإسرائيلية، فمن الطبيعى مع كل يوم يمر أن يقترب اليوم الذى يتعين فيه على الحكام العرب تقديم كشف حساب أمام شعوبهم. وأيا كان الأمر فليس من الإنصاف توجيه اللوم إلى السلطة الفلسطينية إن هى استماتت فى البحث لنفسها عن غطاء تستر به تراجعها، وإنما يجب أن يوجه اللوم، كل اللوم، إلى الدول العربية لأن لحافها أصبح قصيرا إلى الدرجة التى لم تعد تستر عورة!. فإذا كان زعيم الدولة التى تستضيف القمة العربية هذا العام قد استبقها بالدعوة إلى إعلان الجهاد على سويسرا لأن أجهزة أمنها أساءت معاملة نجله المدعو هانيبال، فلماذا نستغرب أن تهدد الجامعة العربية باللجوء إلى مجلس الأمن إن لم تنجز الولاياتالمتحدة التسوية المطلوبة خلال أربعة أشهر!