المؤكد أن من حق ملاك أى جريدة أن يتخذوا من المواقف والإجراءات ما يرونه مناسباً، خاصة حين يكون الحديث عن موقع رئيس التحرير، باعتباره الموجه الرئيسى للسياسة التحريرية فى أى جريدة، لكن المؤكد أيضاً فى حالة مثل صحيفة «الدستور» أن كاتباً وصحفياً ورئيس تحرير فى حجم ومكانة إبراهيم عيسى، بالنسبة للدستور تحديداً، كان يستحق «شكراً عريضاً» حتى لو كان القرار هو الاستغناء عن خدماته، وليس قراراً مفاجئاً ومباغتاً بالإقالة، يخرجه من مكان ارتبط به، ليس فقط فى إصداره الحالى، وإنما منذ ظهرت الدستور للمرة الأولى فى سوق الصحافة عام 1995، كعلامة فى تاريخ الصحافة، تحمل اسم رئيس تحرير شاب وموهوب، وتمهد الطريق لجيل جديد من الصحفيين الشبان المنطلقين لآفاق أوسع مما كان يتخيل أحد فى ذلك الوقت. شئت أم أبيت، فهناك ارتباط وثيق فى ذهن القارئ بين اسم إبراهيم عيسى والدستور ربما كان ذلك يمثل خطأ إدارياً فادحاً وقع فيه الناشر السابق أو أراده، بأن جعل المؤسسة مرتبطة باسم وشخص وطعم رئيس التحرير وتحولاته أيضاً، لكن الحقيقة المؤكدة تماماً أنه الجزء الأهم من تاريخ هذه المؤسسة إذا أرادت أن تنطلق فى أيامها المقبلة مرتكزة على هذا التاريخ وهذا الحضور، وهذا التراكم الذى فعلته الجريدة بإصدارها الأول والثانى. يستحق إبراهيم عيسى تكريماً لائقاً بكل هذا، أقلّه مثل ذلك الذى حظى به عصام إسماعيل فهمى، ناشر الدستور المؤسس، حين احتفظ الملاك الجدد باسمه على الصحيفة كمؤسس، بعد شرائها منه، فاسمه جزء من العلامة التجارية للصحيفة، أو كان كذلك حتى صباح أمس الأول، وموضعه من الصيغة الجديدة للصحيفة سيبقى مؤثراً على مستقبلها، كما احتكر ماضيها. لا أحد ينازع ملاك الصحيفة الجدد فى حقهم فى إحداث ما يرغبون من تغيير، حتى لو تعددت الروايات والتكهنات بأسباب ذلك، واختلفت من طرف لآخر، وتحملت أبعاداً مهنية أحياناً وسياسية فى أحيان أخرى، لكن المؤكد أن الصحف لا تقوم بالمال والتمويل السخى وحده، وهناك تجارب صحفية كثيرة فى القطاع الخاص وفى الحكومة أيضاً توافر لها التمويل والميزانيات وعقود الإعلانات الحكومية والاشتراكات الجاهزة، والتوزيع الإجبارى أحياناً على موظفى الدولة وأمانات الحزب الحاكم، ولم تنجح فى بلوغ أهدافها بتحقيق عائد من التوزيع لدى باعة الصحف، ولم تحقق التأثير المرجو منها، والأهم أنها لم تبن مصداقية حقيقية. الصحف الناجحة هى امتزاج بين خلق صحفى يمنح للجريدة طعمها وشخصيتها، انطلاقاً من سياسة تحريرية متفق عليها مع الإدارة، وناشر محترف يمنح للصحيفة استقرارها، ويراقب الجودة فى أدائها ، وفريق كامل يمنحها نجاحها إجمالاً ويضمن استقرارها أيضاً، فلا يهتز كيانها بخروج أحد أو غيابه سواء فى الإدارة أوالتحرير. هذه ليست دروساً فى المهنة، لكنها ربما تكون بداية لمناقشة طويلة، حول وضع ضوابط للعلاقة بين الإدارة والتحرير، خاصة فى الصحف الخاصة التى صارت المحرك الأكثر حيوية فى الصناعة حالياً، ضوابط تضمن حقوق الجميع، وتضمن كذلك فى حالة تنافر المواقف خروجاً بالمعروف لا يهدم المعبد ويقصف مما لدينا فى بستان الصحافة «وردة»..! [email protected]