حين تثار بين خصمين أزمة ما يتبعها تصالح، عادة يتم وصف المشكلة بأنها كانت مجرد سحابة صيف أو زوبعة في فنجان وذلك من باب تخطي المشكلة وعدم الخوض بها كثيراً. ولكن هذه المرة تخطت الزوبعة حدود الفنجان لتصنع عاصفة تجاوزت حدود التاريخ والجغرافيا..! والزوبعة بل الإعصار صنعه الأستاذ محمد حسنين هيكل حين ختم موسم حلقاته التليفزيونية التي يقدمها بعنوان "مع هيكل"، بقنبلة من العيار الثقيل عن قصة فنجان قهوة أعدّه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إلى سلفه الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر). وكما يفعل كاتب الروايات البوليسية أضاف الأستاذ (هيكل) في قصته لمحة مثيرة حين ذكر أن الرئيس (السادات) طلب من "السفرجي" الخاص بالرئيس (عبد الناصر) الخروج من المطبخ ليتسنى لل(السادات) فرصة إعداد فنجان القهوة بمفرده، ليموت بعدها (عبد الناصر) بثلاثة أيام..! ولم ينس الأستاذ (هيكل) أن يرفق روايته بنفي قاطع واستبعاد شديد لأن يكون (السادات) قد دس سماً ليغتال رئيسه، وذلك على طريقة الصحفي الذي ينشر صوراً إباحية ويكتب أسفلها: "نحن جريدة محترمة، لا ننشر صوراً كهذه"..! ولذلك كان من الطبيعي أن يحظى الأستاذ (هيكل) بهجوم شديد نتيجة أقواله، وانبرى آخرون يدافعون عن الرئيس (السادات) ضد اتهام فظيع كهذا، وأصبحت الأسئلة المثارة من نوعية: - هل رواية الأستاذ (هيكل) صادقة؟ - هل كان (السادات) يستطيع صنع القهوة؟ - هل يوجد شهود على هذه الواقعة؟ - لماذا كتم الأستاذ (هيكل) هذه القصة طيلة هذه السنين؟ وهي أسئلة مشروعة بالطبع لمن كان طرفاً في الأمر، أو حتى ممن تأثروا به سلباً وإيجاباً، لكن لماذا تغافل الجميع عن السؤال الأهم.. - هل كان الرئيس (جمال عبد الناصر) يستحق القتل؟! وقبل التطرق لإجابة هذا السؤال، ينبغي الإشارة إلى أن (ناصر) ورفاقه عندما خلعوا الملك (فاروق) من حكم مصر كان من ضمن حيثيات تصرفهم التي أعلنوها أن الملك تسبب في هزيمة الجيش المصري في حرب 48. وتمر السنون ويُحكم على المشير (عبد الحكيم عامر) بال"استنحار" لتسببه في هزيمة الجيش المصري أيضاً ولكن هذه المرة كانت هزيمة منكرة والخسارة فادحة ما بين مقتل آلاف الجنود المصريين أو خسارة أرض سيناء بأكملها ووقوعها في أيدي الأعداء. هل يستحق الملك (فاروق) خلعه من الحكم؟ هل يستحق المشير (عبد الحكيم عامر) انتحاراً أو حتى استنحاراً؟ وهذان السؤالان يقودانا حتماً للسؤال المؤجل إجابته.. " - هل كان الرئيس (جمال عبد الناصر) يستحق القتل؟! " والإجابة البسيطة والمدهشة في آن واحد هي نعم..! سواء كانت الأمور تؤخذ بمعايير عصره هو نفسه أو معايير أي عصر آخر..! ولعلك عزيزي قارئ هذا المقال تعايش أجواء قضية رجل الأعمال الكبير الذي أدانته المحكمة بقتل المغنية الشهيرة، فكنتّ تتمنى بل وتطالب بإعدام الرجل في ميدان عام، كي يكون عبرة لغيره، وكل جريمته هي التسبب في قتل نفس واحدة فما بالك بمن تسبب في قتل الآلاف من خيرة أبناء هذا البلد وهزيمة مذلة نعاني آثارها حتى الآن؟ وكل من قفز ليحكم مصر قادماً من العسكرية عليه أن يلتزم بقوانيها وعرفها إلى النهاية، فلا فارق بين المهمل والمخطئ، كلاهما يستحق التعامل معه بمنتهى الحسم..!