هذا المقال الثالث من مجموعة مقالات تهدف إلى إيجاد حلول ابتكارية للمشكلات المصرية، فى المقال الأول بالعدد رقم 1707 بتاريخ 14 فبراير 2009 تكلمنا عن نظرية تريز TRIZ، مميزاتها ونشأتها وإمكانية تطبيقها لحل هذه المشكلات على أسس معرفية ابتكارية، فى المقال الثاني بالعدد رقم 1716 بتاريخ 23 فبراير 2009 تكلمنا عن ضرورة التحول المجتمعى لخلق الكوادر العلمية القادرة على البحث والإبداع لتطبيق هذه النظرية والوصول إلى الحلول المثالية للمشكلات، فى هذا المقال سنتعرض لأحد المبادئ «الاستراتيجيات» فى هذه النظرية وهى التجزئة أو التقسيم Segmentation وإمكانية تطبيقها للمساعدة فى حل مشكلة الفقر بمصر، كمشكلة مجتمعية ملحة وذلك بمضاعفة الأرض المزروعة بنفس كميات المياه الواردة فى نهر النيل - كمثال تطبيقى. والتساؤل الآن ماذا ستضيف هذه النظرية إلى الحلول المعتادة لمشكلاتنا؟ فى حل المشكلات بنظرية تريز TRIZ يعمل فريق من الخبراء فى تخصصات مختلفة تتعلق بجميع نواحى وأبعاد المشكلة، أهمها خبير للإبداع والابتكار على دراية كبيرة بمنهجيات وخبرات التطبيق لهذه النظرية فى المجال المتعلق بالمشكلة، حيث يقوم هذا الفريق «باستخدام مساعدات للنظرية» بتحليل المشكلة، وصفها، التعرف على طبيعتها، أسبابها، مظاهرها، الآثار السلبية والإيجابية الناجمة عنها ثم تجريد المشكلة وتحويلها إلى نموذج عام Model حيث يعالج هذا النموذج بأحد مبادئ «استراتيجيات» النظرية أو عدة مبادئ «استراتيجيات» مجتمعة، قد تصل إلى عشرات المبادئ لحل المتناقضات الناجمة عن الحلول المقترحة، وقد يتطلب الأمر إنشاء ما يسمى مصفوفة رياضية لهذه المتناقضات تتضمن ارتباط المتناقضات المختلفة ببعضها وبالحلول المقدمة، ويتحدد فى هذه المصفوفة أى من مبادئ النظرية يفيد فى حل هذه التناقضات وإيجاد حل رياضى بناء على خوارزمات «لوغاريتمات» تحدد أفضل الحلول المثالية الأصيلة الشاملة القابلة للتطبيق، هنا يأتى الحل فى إطار منهجى منتظم ومن خلال جملة من الإجراءات والخطوات المحددة والمتسلسلة بعيدة عن العشوائية والقصور الذاتى والإطار النفسى للقائمين على الحل، أى أن الحلول تأتى مستندة إلى قاعدة معرفية مبنية على مبادئ مستقاة من حلول عالمية موثقة ومعتمدة وسبق تجربتها لحل مشكلات مماثلة. بالرجوع إلى المبدأ «الاستراتيجية» المقترحة لحل مشكلة الفقر بمصر بمضاعفة مساحات الأراضى للزراعة بنفس كميات المياه الواردة عبر نهر النيل وهى التجزئة والتقسيم Segmentation فهى تتضمن الحل للمشكلة بتقسيم الشىء/ النظام الذى يلعب دوراً فى حل المشكلة «فى هذه الحالة مياة النيل كمصدر للثروة» إلى أجزاء مستقلة وجعل هذا الكم من المياه قابلاً للتقسيم، ثم إعادة التقسيم مرات متعددة لتغطى هذه المياه أكبر مساحة ممكنة من الأراضى الزراعية وبالتالى مضاعفة هذه المساحات المزروعة، وقد يتأتى ذلك باعتماد طرق الرى بالرش أو التنقيط أو الرزاز أو غيرها من تكنولوجيات العصر المتعددة، فيقوم فريق العمل من الخبراء بخطوات الدراسة السابق ذكرها والوقوف على متناقضات الحلول التى قد تصل إلى عشرات المتناقضات وتقف حائلاً دون إيجاد الحلول المثالية، ومنها على سبيل المثال زيادة التكلفة، الإمكانات التكنولوجية لتصميم وتصنيع هذه المعدات والمستلزمات محلياً، الخامات المطلوبة وتوافرها، تدريب العمالة على تركيب وتشغيل وصيانة هذه المعدات والمستلزمات، تدريب العامل الزراعى على استخدامها، مدى مناسبتها للمحاصيل المختلفة، كيفية توصيل هذه المياه إلى الأراضى المترامية والبعيدة عن نهر النيل، مدى مناسبة الأراضى المختلفة لهذا الأسلوب من الحلول، القدرات المالية والبشرية المطلوبة للتنفيذ،... إلى آخره. يعكف فريق العمل من الخبراء على إيجاد الحلول الابتكارية والإبداعية لتلافى هذه التناقضات التى تعوق الحل «بالتسلسل السابق شرحه» بأقل تكلفة وبأسهل الطرق للوصول إلى الحلول المثلى، ثم يبدأ التطبيق باستخدام المصادر والإمكانات المتاحة على المدى الزمنى المخطط لذلك باستخدام أساليب الإدارة الحديثة وأدوات الاقتصاد للتأكد من جدوى هذه الحلول. بنفس المنهجية يمكن حل مشكلات متعددة استناداً إلى نفس الاستراتيجيات، على سبيل المثال لا الحصر، مشكلة المرور، مشكلات بيئية مثل المخلفات العضوية، مشكلة توزيع الخبز، المشكلات الإدارية المختلفة، مشكلة تكدس الطلاب بالمدارس والجامعات، مشكلة التصدير للخارج، المشكلات السكانية، وإلى لقاء آخر مع مبدأ «استراتيجية» آخر للحل وشرح وتبسيط أكثر. [email protected]