حين تطالع هذه الصحيفة أو غيرها.. فأنت تعلم قطعاً أن الكلمة تمر عبر ماكينة صناعة عريقة.. فليس شرطاً أن تنجح الصحيفة التى تحمل مضموناً واعياً وشكلاً أنيقاً.. فثمة دائرة لابد أن تكتمل.. إنها دائرة «الصناعة المتكاملة».. الكلمة الموضوعية.. التصميم العصرى.. الطباعة الحديثة.. التوزيع الواسع.. والتسويق الناجح.. ودون هذه الدعائم تظل الصحافة ناقصة و«عرجاء».. وربما كان هذا الفهم هو الذى أسس وأرسى التجارب التاريخية فى صحافتنا.. بدءاً بالوقائع المصرية التى ولدت من رحم عصر النهضة.. ومروراً بالأهرام والمقطم والجهاد التى جسدت واحدة من أزهى مراحل الفكر والثقافة.. وانتهاءً بمغامرة مصطفى وعلى أمين فى «أخبار اليوم».. ثم الجنين الذى تكسوه الصحافة المستقلة الآن لحماً ودماً. ولئن كانت الصحافة المصرية تمر الآن بمرحلة انتقالية.. فإن الموضوعية تفرض علينا الإقرار بأن مؤسسة «الأهرام» حملت، ولاتزال، مهمة الحفاظ على الصناعة من الضمور والاندثار.. نحن هنا نتحدث عن المؤسسة العريقة أياً كان من يجلسون على قمتها.. فرغم قيود الروتين والبيروقراطية الحكومية.. فإن «الأهرام» نجحت على مدى العقود الأخيرة فى توفير بنية أساسية تضمن سريان الدماء فى شرايين هذه الصناعة الحيوية.. لذا كان طبيعياً أن تنشأ الصحافة الحزبية والمستقلة وتنمو فى أحضان هذه المؤسسة التى تطبع وتوزع ما يزيد على 80٪ من الإصدارات الصحفية فى مصر، ولولا «الأهرام» لعانت معظم الصحف من عوز الطباعة والتوزيع فى عصر تتكلف فيه المطابع عشرات الملايين من الجنيهات، ويتطلب فيه الانتشار مئات الشاحنات للوصول إلى منافذ التوزيع. هذه كلمة حق لابد أن تسجلها «المصرى اليوم» بعد ما يزيد على أربع سنوات من الصدور.. وربما كان توقيتها مناسباً ونحن ندق «أبراج» مطبعتنا الجديدة فى مدينة 6 أكتوبر، فالأهرام حملت التجربة معنا مثلما تحمل الصحف الأخرى رغم ضراوة المنافسة.. لم تقل لنا يوماً إن المطابع تبرمت من ثقل الحمل، أو سيارات التوزيع ضاقت من كثرة الصحف.. كانت ولاتزال الرعاية رعاية الكبار، والعون عون من يريد للصناعة التطور والازدهار.. حتى حين وصلت طباعة «المصرى اليوم» إلى أكثر من 200 ألف نسخة يومياً، لم تكل «الأهرام» ولم تمل.. وإنما فتحت ذراعيها لنا ولغيرنا على مدار 24 ساعة يومياً.. ماكينات الطباعة لا تتوقف، وسيارات التوزيع تجوب مصر من الإسكندرية إلى أسوان. وربما كان حوارنا مع مرسى عطاالله، رئيس مجلس إدارة «الأهرام»، تجسيداً لقناعتنا بأهمية بقاء المؤسسة العريقة على قمة صناعة الصحافة. غير أن «المصرى اليوم» أرادت أن تنظر إلى صناعة الصحافة بعين «الأهرام».. فالصناعة لن تتقدم دون المزيد من الاستثمار الواعى.. لذا كانت خطوتنا المدروسة بإنشاء واحدة من أحدث المطابع فى مصر بتكلفة إجمالية تزيد على50 مليون جنيه، أسهمت فيها «المصرى اليوم» ب10 ملايين جنيه من أرباح الجريدة، بينما تحمل المساهمون 10 ملايين زيادة فى رأس مال المؤسسة، فضلاً عن قرض مصرفى قدره 31 مليون جنيه من البنك العربى الأفريقى بضمان شخصى من المساهمين وبفائدة 12.5٪ سنوياً. ولأن المطابع الحديثة تحتاج إلى خبراء طباعة من الخارج حتى تنتقل الخبرة إلى الكفاءات الوطنية، فقد أسهمت غرفة الطباعة بمركز تحديث الصناعة بقرض قدره 210 آلاف يورو، تم استثمارها فى الدراسات الفنية للمطبعة، وتكلفة استقدام خبراء متخصصين فى بناء وتشغيل المطابع، ويأتى هذا التعاون مع الغرفة انطلاقاً من دورها فى دعم صناعة الطباعة فى مصر، وضمن قروض قدمها مركز تحديث الصناعة لأكثر من 450 مؤسسة وشركة مصرية، سواء حكومية أو خاصة. ومن المتوقع أن تدور ماكينات المطبعة الجديدة التى تديرها شركة طباعة تابعة لمؤسسة «المصرى اليوم» بدءاً من منتصف العام الجارى، وتعتزم الشركة الإسهام مع «الأهرام» والمؤسسات الصحفية الأخرى فى الارتقاء بصناعة الصحافة، وإتاحة الفرصة لظهور المزيد من الإصدارات الصحفية، فحرية الرأى والتعبير لا تكتمل دون اكتمال الصناعة التى عانت من الجمود على مدى عقود طويلة.. ولن يكتمل حلمنا إلا إذا امتلكت كل صحيفة مصرية مطابعها، حتى تصبح الصناعة مستقلة تماماً مثل الكلمة والخبر والرأى. [email protected]