أتاحت لى الظروف حضور المؤتمر نصف السنوى الذى استنه ويحرص عليه الأستاذ الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة، يجمع فيه قيادات الوزارة وعينات مختارة من جميع القطاعات، التى تعمل فى الحقل الطبى ونماذج لشابات وشباب ناجحين فى مواقع مختلفة، ليعرض عليهم ويتناقش معهم فى عملية شاقة وجادة لتطوير الرعاية الصحية للمواطن المصرى. تميز المؤتمر هذه المرة بثلاث مزايا غير عادية: الأولى هى حضور العالم المصرى الفذ د. أحمد زويل الجلسة الأولى وإلقاؤه محاضرة رائعة أثارت فى نفوس الحاضرين الانبهار والإعجاب بما كشف عنه من تطورات علمية مذهلة تجرى فى العالم من حولنا، بمثل ما أثارت فى نفوسنا من حسرة وخيبة على ما نحن فيه من تدن فى التعليم والبحث العلمى.. الثانية كانت تكريم وزير الصحة ومعه د. زويل ومحافظ شمال سيناء لممثلين عن رجال الإسعاف الذين قاموا بمهام شجاعة ونبيلة لنقل مئات المصابين من جرحى العدوان الهمجى الصهيونى على الفلسطينيين بقطاع غزة تحت ظروف غاية فى الصعوبة والخطورة، فكان ذلك خير تدشين لعصر جديد لخدمات الإسعاف فى مصر بدأت ملامحه تظهر فى كل أرجاء المحروسة بجهد وإصرار من الوزير ورفاقه.. الثالثة كانت إعلام الحاضرين بالقوانين التى تنوى الوزارة عرضها على مجلس الشعب فى دورته الحالية، والاستماع إلى وجهات النظر حولها.. وما أعلق عليه هو ما تم عرضه بشأن مشروع قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل الذى اتفقت قوى الشعب المصرى كله، حكومة ومعارضة على أنه القانون الأهم، الذى لا بديل عنه من أجل تطوير الخدمات الصحية فى مصر بأقصى درجة ممكنة من جودة الخدمة وعدالة توزيعها. لفت نظرى عند مناقشة هذا القانون تردد بدا واضحاً من الوزير فى تحديد موعد محدد لكى يغطى هذا النظام كما نريده جميعاً أرض الوطن بكامله، ورفضه إعطاء وعود كاذبة أو عهود فارغة بالالتزام بشىء، إن لم يكن يضمن له سلامة التطبيق واستدامته.. وهذا نهج يخالف تماماً نهج من سبقوه، الذين كانت تصدر عنهم القرارات الوزارية بتطبيق قوانين بجرة قلم بحثاً عن شعبية زائفة أو إرضاء وتملقاً للقيادات السياسية والمهمة فى الدولة، ودون دراسة علمية ومتأنية، أو الحصول على قرارات جمهورية بشأن تغييرات قصيرة النظر فى الهيكل الصحى أفسدت أكثر مما أصلحت، احترمت جداً هذا التوجه من وزير الصحة، لأننى أراه حريصاً على ألا يدخل قانون التأمين الصحى الجديد المقترح ضمن منظومة الفشل المحبطة التى تمسك بخناق هذا الوطن! عشرات القوانين والمشروعات والقرارات بل الأعمال الكبيرة التى أنفقت عليها المليارات وانتهت بضمها إلى منظومة الفشل العام.. بدءاً من «مشروع توشكى» وانتهاء بمشروع «تاكسى العاصمة»! لو راجع أحد صحف الخمسة والعشرين عاماً الماضية وحاول جمع ما صدر فيها من قوانين وما أعلن عنه من مشروعات وما تم فعلاً، ثم ينزل إلى أرض الواقع المصرى اليوم فى جميع المجالات تقريباً، لأصابه على الفور إحباط لا حدود له ولأصابه مس من هذيان ويتمتم فى نفسه «ماذا جرى لنا يارب.. ولماذا نحن فاشلون؟!».. الأمثلة لا حصر لها كبيرة وصغيرة.. أقمنا خطوط مترو الأنفاق وبعد انتقال إدارته إلينا أخذ تدريجياً فى التدهور والانحدار فى مستوى الخدمة والنظافة والصيانة.. أقمنا نفقاً هائلاً يربط طريق صلاح سالم بوسط البلد، فرحنا به وقرأنا عند افتتاحه كيف سيدار ويعمل ويراقب، وتدريجياً فشلنا فى الاستمرار فى إدارته وصيانته ومراقبته كما يجب وأصبح المرور خلاله مغامرة قد تنتهى بخير أو شر.. حتى مشروع «تاكسى العاصمة» الذى هللنا له بأنه سيكون واجهة حضارية للقاهرة، وأنه سيتم التوسع فيه تدريجياً.. و.. و.. فإذا بنا بعد حوالى سنة واحدة نبحث عنه فلانجد له أثراً أصدرنا قانوناً جديداً للمرور حدث حوله هرج ومرج وأحاديث ومناقشات وخناقات، ليكون الحصاد فى النهاية هو استمرار الفشل القديم فى إدارة مرور العاصمة! د. حاتم.. أؤيدك بكل شدة وأعتقد أن القطاع الصحى كله معك.. لا تعرض ولا توافق ولا تعد بقانون، ما لم تضمن له الاستمرارية والجدية، وهو ما أشك كثيراً فيه.. أرجوك لا نريد فشلاً جديداً.. فكفانا ما نحن فيه والله المستعان!