فى المقال الأخير تحدثت عن الحب الجميل الذى تحطم وكان الغرام قد تم تتويجه بالزواج، لكن المفاجأة أنه فشل، «وكل واحد بان على أصله» بالتعبير العامى، يعنى ظهرت أخلاقه الحقيقية وتحول شهر عسل إلى بصل! وهناك حكمة تسأل: تعرف فلان؟ وعندما تكون الإجابة أعرفه، يأتى التساؤل من جديد وهل عاشرته؟ وإذا كان الجواب بالنفى، فأنت فى هذه الحالة لا تعرفه مهما كنت معجباً به. وهناك حديث نبوى شريف يعجبنى جداً يقول فيه نبى الإسلام عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله» وقد توقفت أمام هذا الحديث لأكثر من سبب، فهو لم يقل: خيركم أكثركم صلاة أو صياماً بل ربط ذلك أولاً بحسن معاملة حضرتك لأقرب الناس إليك خاصة شريك العمر وأولادك ووالديك إذا كانا على قيد الحياة وربنا يطول فى عمر الحبايب! والأمر الثانى المتعلق بالأول: التحذير من ذى الوجهين.. أقصد: شخص رائع من الخارج، فهو إنسان دمث الخلق مع الناس أو بتعبير الخواجات «جنتلمان»، لكنه مع أهل بيته له وجه آخر مختلف تماماً، ومشاكله لا تنقطع مع أقرب الناس إليه، ولذلك أكد رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن خيركم خيركم لأهله، وتلك مقولة خالدة ومنطقية أيضا.. فالإنسان البار بوالديه وشريك العمر من الطبيعى أن يفيض خيره على الناس أجمعين، أما إذا كانت علاقته بهؤلاء قوامها الجفاء والخصام والخناقات فلا تتوقع أن يكون دمث الخلق مع أصدقائه وتعاملاته العادية فى حين أنه على خصام مع أهله وتنطبق عليه فى هذه الحالة تلك المقولة القائلة: باب النجار مخلع. وهناك رأى آخر يعارض ما قلته، وأنا لا أدعى أننى أحتكر الحقيقة ووجهة النظر المخالفة محترمة وقوامها ضرورة التفرقة عند تفسير الحديث الشريف سالف الذكر بين الوالدين وشريك العمر، ولا يمكن وضعهم فى مرتبة واحدة «فسوء المعاملة للأب أو الأم جريمة بكل المقاييس ومستحيل لإنسان سيئ الخلق مع والديه أن يكون فيه خير للناس، فهو سيعاملهم بالطريقة ذاتها التى يتعامل بها مع أبيه وأمه فإذا كان له وجه طيب مع الآخرين فهذه تمثيلية غرضها تحقيق مصالحه الشخصية، فاحترس منه لأنه يمكن أن يعطيك مقلباً ساخناً فهو إنسان لا يعرف الوفاء. والأمر يختلف مع الخلافات القائمة مع شريك العمر، التى تنتهى إلى الطلاق! أو على الأقل بيت فيه نكد وصداع مستمر! فهو قد يكون إنساناً فيه خير ولكن حظه فى الزواج سيئ مع أنه صاحب الخلق، وتعاملاته زى الفل، إلا أنه يعانى من مشاكل داخل بيته فلا يمكن أن تضعه فى مرتبة واحدة مع الجاحد لوالديه، وتقول الحديث الشريف: خيركم خيركم لأهله! فالبيت المتعقد يمكن أن تجد أعذاراً لأصحابه بعكس هذا الذى نجده فى خصام مستمر مع أصحاب الفضل عليه الذين قاموا بتربيته فى الدنيا! وعندى ملاحظة على هذا الرأى خلاصته أن الحب الرومانسى يرتبط ارتباطاً وثيفاً بالإيمان بربنا، ولذلك قال نبى الإسلام عن أهمية التدين فى بناء بيت سعيد: «إذا أحبها أكرمها وإذا لم يهنها».. ويا سلام على هذاالكلام الجميل ومن فضلك أرجو أن تتأمله المرة تلو الأخرى وتقارن بينه وبين ما يجرى فى حياتنا النكدة، مع ملاحظة أن من آيات المنافق كما أخبرنا سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام: «إذا خاصم فجر» فخصامه لا يعرف حدوداً لكن الإنسان الذى يعرف ربنا حق معرفته شخص مهذب ولا يسعى إلى هدم المنزل على رؤوس أهله فهو «جنتلمان» مع حبه السابق برغم الخصام والطلاق حفاظاً على بقايا الود الذى ضاع، وبرغم خصامه هذا ينطبق عليه فى هذه الحالة الحديث النبوى الشريف: خيركم خيركم لأهله.