قبل أسبوعين تقريباً انتهى رئيس دائرة فى إحدى محاكم الإسكندرية من نظر القضايا وأثناء وجوده فى غرفة المداولة، اقتحم معاون مباحث ومعه عدد من أمناء الشرطة المحكمة، وانتزع أحد المتهمين من القفص وسحله على البلاط وكمم فمه حتى لا يسمع القاضى استغاثاته. وعندما تمكن محامى المتهم من الدخول على القاضى فى غرفة المداولة كانت الشرطة قد اختطفت المتهم وعادت به إلى قسم الشرطة، وبعد دقائق عرف المحامى أن الشرطة أصدرت قرار اعتقال لموكله لكى لا يعود مرة أخرى إلى المحكمة. وقبل عشرة أيام تقريباً كان أمين شرطة من أحد مراكز الجيزة يشارك فى حراسة مجموعة مواطنين يحفرون نفقاً تحت أحد البيوت بحثاً عن الآثار.. وقد لاحظ أمين الشرطة أن طفلاً عمره 14 عاماً اعتاد الوقوف على مقربة منهم، وحاول أكثر من مرة الاستفسار عما يفعلونه، فقام الأمين بتعنيف الطفل وشتمه بأمه وهدده بالحبس إذا اقترب من المكان مرة أخرى، فإذا بالطفل قبل أن يغادر المكان يخبر أمين الشرطة بأنه يفهم كل شىء.. ويعرف أنهم يبحثون عن آثار! بعد يوم واحد من هذه الواقعة اقتحمت قوة من مركز الشرطة بيت الطفل فى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وانتزعت الطفل من فراشه وسط صراخ أمه وأشقائه، وفى اليوم التالى مباشرة أحيل الطفل المسكين إلى النيابة العامة متهماً بالاتجار فى المخدرات وإحراز سلاح دون ترخيص، واكتشف المحامى الذى وكلته الأسرة للاطلاع على التحقيقات أن معاون مباحث المركز أثبت فى أوراقه أنه ضبط الطفل متلبساً بالاتجار فى البانجو والحشيش فى أحد شوارع القرية، وقام بتحريز كميات المخدرات التى زعم أنه ضبطها معه، كما حرز سلاحاً محلياً زعم أيضاً أنه عثر عليه مع الطفل. فى اليوم التالى أمرت النيابة بحبس الطفل أربعة أيام، ثم جددت له 15 يوماً، وتنتظر أسرته الآن فاجعة إحالته إلى المحاكمة.. لمجرد أنه «فهم أن بعض أفراد الشرطة الفاسدين يشاركون بعض الأهالى فى التنقيب عن الآثار تحت بيوتهم»! مثل هذه الفواجع تتكرر يومياً فى قرى مصر ومراكزها وضواحيها، حيث يتفنن صغار الضباط وأمناء الشرطة فى تلفيق التهم لأبرياء، بعضهم لم يسبق له دخول قسم شرطة لا متهماً ولا شاكيا ولا شاهداً. وفى مقابل هذا التدمير المتواصل للأمان الاجتماعى، يسرف هؤلاء الضباط والأمناء فى الاعتماد على شبكات من المرشدين هم فى الأساس مجرمون وأصحاب سوابق، أصبح مصدر دخلهم الأساسى فرض إتاوات منتظمة على المواطنين، ومن يجرؤ على الاعتراض يجد نفسه فوراً فى قبضة الشرطة متهماً بالاتجار فى المخدرات أو بتعاطيها على الأقل. هل تملك النيابة العامة أدوات تحقيق جيدة تمكنها من كشف هذا التلفيق؟ الحاصل الآن أن النيابة تطلب عادة تحريات المباحث حول الواقعة، أى أنها تحيل الضحية إلى الجلاد، وتمنح الضابط الفاسد والأمين الأفسد سلطة مضاعفة وتمكنهما من تحضير شهود الزور - من المرشدين المجرمين - وتهديد أو استبعاد أو حجز أى مواطن يفكر فى الإدلاء بأقوال مناقضة لهذا التلفيق.. وأمام جبال القضايا المتراكمة يومياً أمام النيابات العامة يستحيل على أى وكيل نيابة أن يعطى لأى قضية الجهد والوقت اللذين تستحقهما! وما الحل إذن؟ ما السبيل إلى الخروج من هذه الدائرة المغلقة؟ لنفكر معاً.. حتى الأسبوع المقبل. [email protected]