انتقدت منظمات دولية قرار محكمة جنايات القاهرة بإدانة المتهمين في القضية المعروفة ب«التمويل الأجنبي»، معتبرين أن القرار يتسق مع نهج جماعة الإخوان المسلمين نحو الاستبداية بشكل متزايد، وأن المحكمة استندت في قرارها إلي قانون قمعي للمنظمات الأهلية، وجاء تتويجا لحملة ملاحقة من جانب الحكومة لتضييق الخناق علي منظمات المجتمع المدني بعد الثورة، وأن اتهام مواطنين، ومؤسسات أمريكية في القضية، يهدد مصالح واشنطن. وقالت منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن المحكمة استندت في قرارها الذي انتهك الحق في حرية التنظيم، إلي قانون قمعي للجمعيات الأهلية، مشيرة إلى أن مواد قانون العقوبات التي لا تتفق مع احترام الحقوق الأساسية. وحثت المنظمة الدولية المعنية بحقوق الإنسان حول العالم في بيان صادر، الأربعاء، الرئيس محمد مرسي بالعفو عن المدانين، وتعديل مشروع القانون الجديد المنظم للجمعيات المستقلة لجعله أكثر توافقاً مع المعايير الدولية، وذلك لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن التحقيق والمحاكمة في هذه القضية. وقالت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، «سارة ليا ويتسن»: «هذه إدانات ظالمة تستند إلى قانون ظالم، وما كان ينبغي توجيه الاتهام إلى هؤلاء العاملين في منظمات مستقلة من الأساس، ما يبعث على الإحباط بوجه خاص هو أن مشروع القانون الجديد الذي اقترحته الرئاسة يعكس نفس الريبة في الجمعيات المستقلة التي كانت القوة الدافعة وراء المحاكمة». وشددت «ويتسن» على ضرورة تعديل مشروع القانون الجديد، إذا رغب الرئيس مرسي في أن ينأى بنفسه عن ميراث هذه المحاكمة ذات الدوافع السياسية، بدلاً من التعجل في إصدار قانون يسمح للحكومة بالسيطرة على الجمعيات المستقلة وعرقلتها. من جانبه اعتبر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في بيان صادر، الأربعاء، أن قرار الإدانة جاء هجومًا على المصالح الأمريكية الأساسية، والتي تشمل حماية المواطنين والمؤسسات الأمريكية في الخارج من عمليات النهب من الحكومات الأجنبية، وخاصة أن مصر من أكبر المستفيدين من المساعدات الخارجية الأمريكية، محذرا من أن فشل واشنطن في الرد بحزم علي قرار المحكمة، فإن جماعة الإخوان المسلمين ستعتبر ذلك ضوء أخضر، مما يشجعها علي المزيد من حملات قمعية للمجتمع المدني. ولفت «معهد واشنطن» في البيان الذي أعده الباحث في شئون الشرق الأوسط «إيريك تريجر»، إلى أن الإدانات تتسق مع مسار «الإخوان» نحو الاستبدادية بشكل متزايد مؤخرا، مشيرا إلى أن مجلس الشوري الذي يسيطر عليه «الإخوان» ينظر مسودة قانون الجميعات الأهلية الذي سيفرض مزيد من القيود علي المجتمع المدني. وأكد «معهد واشنطن» أن جماعة الإخوان المسلمين في غنى عن أزمة دولية تضاف إلى أزماتها المحلية في إدارة مصر، وبالتالي ستحاول استرضاء الإدارة الأمريكية، مشيرا إلى أن واشنطن لديها فرصة هامة لتقويم سلوك الجماعة. وأدانت منظمة «فريدوم هاوس»، إحدى المنظمات الدولية المدانة في القضية، بشدة قرار المحكمة بإدانة 43 موظفًا في منظمات غير حكومية، منهم 5 أشخاص يعملون حاليا في المنظمة الأمريكية، وموظف سابق، مشيرة إلى أن القاضي حكم بإغلاق مكاتب المنظمات الدولية نهائيا في مصر، كدليل مطاردة الحكومة لها بهدف خنق نشاط المجتمع المدني، والحد من حرية التعبير في مصر ما بعد الثورة. ومن جانبه قال مدير المنظمة الأمريكية، «ديفيد كرامر»: هذه القضية برمتها وصمة عار من البداية، وحكم المحكمة يسخر من العملية القضائية المصرية، مضيفا: «هذا الحكم الدافع من ورائه سلوك معادي للديمقراطية وإصرار على إيقاف المجتمع المدني عن مزاولة نشاطه، فأي من المتهمين لم يقم بأي شيء خاطئ، هم أشخاص أدوا عملهم في مساعدة المصريين على تحقيق حلمهم في مصر، وبدلا من ذلك قدموا كبش فداء للحكومة والقضاء الذين خانوا آمال وطموحات ثورة 25 يناير». وذكرت «فريدوم هاوس» أن التهم الموجهة إلى 43 من موظفي المنظمات غير الحكومية، منهم مصريين وأجانب من ضمنهم 17 أمريكيًا، تتويجا لحملة طويلة من من الترهيب من جانب السلطات امتدت لعدة أشهر. ومن جانبها قالت إحدي المتهمين في القضية ومديرة مكتب «فريدوم هاوس» في القاهرة الدكتورة نانسي عقيل: «أشعر بخيبة أمل شديدة جراء هذا الحكم، ومع ذلك فهو كان متوقعا»، مضيفة: «لقد واصلت حكومة الرئيس مرسي أساليب نظام مبارك في استخدام أسلوب التهديد والتخويف، والممارسة التعسفية من جانب السلطة بهدف قمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات في مصر». ودعا مدير برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المنظمة «تشارلز دن»، والمدان أيضا في القضية، حكومة الولاياتالمتحدة، والكونجرس الأمريكي أن يوضح للرئيس مرسي أن استمرار اضطهاد نشطاء المجتمع المدني يعد انتهاكا خطيرا لالتزامه المعلنة بعملية التحول الديمقراطي. وقال إنه يتوقع الاستئناف علي قرار المحكمة، مشيرا وفي الوقت نفسه إلى أن الحكومة يجب أن تضع حد للممارسات القمعية بما في ذلك سحب دعمها لمشروع الجمعيات الأهلية القمعية الذي يناقشه مجلس الشوري واصفا إياه ب«القمعي». وأعربت منظمة الشفافية الدولية عن قلقها حول الحملة القضائية في مصر على المجتمع المدني، معتبرة أن هذه الحملة سيكون لها أثرا سلبيا على جهود مكافحة الفساد. وطالب منظمة الشفافية الدولية، من مصر احترام وتنفيذ التزاماتها الدولية وحماية الحق في حرية التجمع والتعبير، وخصوصا بعد أن صادقت مصر على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد في عام 2005 بحيث تلزم المادة 13 مصر «بتعزيز دورالمجتمع المدني في الوقاية من ومكافحة الفساد».