ربما تتشابه قصته مع كثير من شباب فى مثل سنه ووضعه الاجتماعى، لا تعلم عنهم الحكومة شيئاً إلا عندما تقوم بعمل حصر لأعداد البطالة فى مصر، فهو أخ لثمانية إخوة وأخوات، وابن لرجل ستينى العمر يعمل «فران» بإحدى المناطق الشعبية، لكنه رفض أن يهزم ضيق حاله الأحلام التى كان قد بناها لأبنائه، فى أن يراهم خريجى جامعات، يحملون شهادات عليا، ورأى من وجهة نظره أنها الجائزة الوحيدة التى أهداها له القدر نظير سنوات شقاء لم يعد يعبأ بِعدها. ما إن تخرج «عمرو جعفر عبدالله» فى كلية التربية بجامعة عين شمس، حتى بدأت رحلته فى البحث عن عمل، لعله يخفف العبء عن والده، ليساعده فى نفقات الحياة. لكن يبدو أنه كان حلما بعيد المنال فى زمن عزت فيه عبارة «وظيفة خالية»، وإن حالفه الحظ مرة فإن راتب مدرس اللغة العربية فى أى من المدارس الخاصة التى تقدم لها، لا يتعدى 250 جنيها، لذا لم يكن أمامه سوى أن يتنازل عن حلم والده بأن يعمل مدرسا، وعن حلمه بأن يصبح شاعراً، بعد حصده عدداً من الجوائز عن قصائد شعرية كتبها، فقرر أن يبحث عن أى عمل آخر يدر عليه راتباً، يستطيع به أن يشارك فى مصاريف نفقات تعليم إخوته الصغار، وزواج شقيقاته. حتى كان يوماً عرض عليه أحد أصدقائه العمل كمندوب مبيعات مقابل 15 جنيهاً يوميا، ليوافق على الفور. فى ظل تلك الظروف كان من الصعب على «عمرو» أن يقف مع نفسه لبرهة متسائلا كيف يمكن له أن يدبر نفقات زواجه وهو حق مشروع لمن فى مثل سنه، لكنه سؤال يضيق له صدره وتضيق معه الدنيا من حوله كلما مر على ذهنه، المصادفة وحدها كانت كفيلة بأن يعلم «عمرو» عن جمعية مجدى مهنا الخيرية، التى تسهم فى نفقات زواج من هم فى مثل سنه وأوضاعه الاجتماعية. فى البداية لم يكن يعلم من هو مجدى مهنا، وما إذا كانت تلك الجمعية ستساعده حقا أم كما يقول، جمعية تروج لنفسها بدعاية لا معنى لها فى الصحف، لكنه قرر أن يجرب حظه، لعله ينال قسطاً من دعوات والدته له كل صباح، ذهب للجمعية ليملأ استمارة الطلبات تاركاً فيها عنوانه ورقم هاتفه، وتركهم ومضى، دون أن يكون لديه أمل كبير فى الإجابة على طلبه. وكانت المفاجأة حينما أرسل له مسؤلو الجمعية، يطلبون منه القدوم لتسلم مبلغ مالى يساعده فى نفقات زواجه، لم يصدق عمرو وقتها نفسه، ولم يدرك أنه يعيش واقعاً إلا بعد تسلمه المبلغ المالى الذى حددته الجمعية، وهو ما يقول عنه:«لم يسبق لى أن رأيت الكاتب مجدى مهنا من قبل، لكننى علمت أنه كان دائما يتحدث عن الشباب ومشاكلهم وأوضاعهم الاقتصادية دون أن يخاف لومة لائم، وكم كنت أتمنى أن يكون حياً ليرى الفرحة فى عيون أمى وأبى أثناء تسلمى النقود، ويسمع دعاءهما له». عمرو لم يجد سوى قصيدة شعر ليهديها إلى الراحل مجدى مهنا، أسماها «مجدى مهنا للصحافة كوكب»، وقد اخترنا منها بعض الأبيات التالية: مجدى مهنا للصحافة كوكب ليت الصحافة تتخذه شعارا ومُفوهٌ كانت حياته كلها للخير بين العالمين عمارا رجل أتى الميدان يحمل راية فإذا نظرت رأيته إعصارا ويجود بالخير الكثير كأنه للخير نبع أخرج الأنهارا فإذا رحلت فأنت حى بيننا تحمى المكارم أنفسا أخيارا