التاسعة صباحا: استيقظت سعيداً جداً وكلى إقبال على الحياة. أحلق ذقنى وأنا أستمع لفيروز. كوب الشاى بالنعناع أرشفه فى استمتاع. الحياة جميلة جداً ولا جدوى من إنكار ذلك. أرتدى ملابسى استعدادا للخروج. نثرت العطر على وجهى وملابسى. واستنشقت عبير القهوة بسرعة، تسربت نسمات منعشة من الشباك. فصل الشتاء الذى أعشقه وحلمت أن أطارده فى قارات العالم الخمس، فصل الحب والرومانسية والمطر. قلبى يدق بسرعة. رباه!! كم أنا سعيد! العاشرة صباحاً: أغلق الباب خلفى وأنا أترنم. أهبط الدرج فى خفة عصفور يوشك على الطيران. بمجرد أن أخرج إلى الشارع تصطدم عيناى بتلال القمامة، أنظر بسرعة فى الاتجاه الآخر متشبثا ببهجة الصباح، فتقع عيناى على تل آخر. الحل الوحيد أن أنظر للسماء. العاشرة وخمس دقائق: زبالة، زبالة. يمينا ويسارا وفى كل مكان. نحن ببساطة لا نحيا فى (مدينة بها زبالة) ولكننا نحيا فى (زبالة بها مدينة). القبح يتسرب من عينى إلى روحى، لكنى مازلت أقاوم. الشارع يسبح فى المجارى كالمعتاد. تعتبر المجارى عندنا نوعاً من حقائق الحياة. بالتأكيد يعتقد أطفال الحى أنها نهر دائم الجريان ينبع من (الببيه). أحاول أن أمشى على الرصيف، لكن لا يوجد رصيف. الأسفلت مهشم بالكامل. يبدو أن طائرات الأباتشى قصفت المدينة ونحن نيام. العاشرة وعشر دقائق: شارع المعتصم. محال الطعام متناثرة على الجانبين، وشباب الجامعة يدخلونها بشهية مفتوحة بعد أن تأقلموا مع الوضع. التأقلم مع القبح جريمة تمنعهم من محاولة تغييره. يقضمون الساندويتش فى مرح ويتضاحكون مع أصدقائهم وهم يطلون من خلف الزجاج المصقول على بحيرات المجارى. فى نفس الشارع كاتدرائية ضخمة للإخوة الأقباط. من المشاهد المألوفة عندى أن أرى المسيحيات الجميلات المتأنقات فى ثيابهن أيام الأعياد يحاولن الاحتفاظ بتوازنهن فوق قطع الحجارة المتناثرة حتى يصلن إلى الكنيسة. سؤال وجيه: ألا يملك رجال الدين المسيحى من الهيبة والمكانة الدينية ما يجعل صوتهم مسموعاً عند المحافظة لتقوم بحل مشكلة المجارى المزمنة فى هذا الشارع التعيس؟! العاشرة والنصف: لا فائدة من التظاهر بالبهجة. رحلت فيروز مع العطر وفرحة العطلات. الحياة كئيبة ومقرفة وأتمنى الخلاص منها حالاً القبح تسرب إلى روحى وغشانى الكدر. أسير فى المستشفى الجامعى الغارق هو الآخر فى المجارى. ما يضايقنى أن المدينة صغيرة جدا، وأى جهد للإصلاح ستظهر آثاره خلال شهور. الحادية عشرة صباحاً: اجتمعت مع زملائى لمناقشة الأمر. أريد أن أنتقم من محافظ الغربية الذى تركنا نعيش فى هذه المزبلة، ولكن كيف؟ جلسنا نقلب الأمر على وجوهه المختلفة حتى اهتديت إلى فكرة مبتكرة تكفل القضاء المبرم عليه! فكرة يمكنك أيضا استخدامها مع محافظ مدينتك أينما كنت. ترى ما هذه الفكرة المبتكرة؟. فكر جيدا وستعرف الإجابة غداً إن شاء الله.