معظم ما يحدث فى شركات قطاع الأعمال أصبح فى حاجة إلى نوع من التفكير المختلف، فلم يعد الفساد أو الإهمال الإجرامى أو انعدام كفاءة رؤساء مجالس الإدارة، كافيا لتفسير ما يحدث، هناك شىء أخطر من هذا كله، هناك خطة منظمة ومدروسة هدفها تدمير الشركات المملوكة للشعب، وتمكين عصابة لصوص وفسقة من الاستيلاء عليها بتراب الفلوس. حدث هذا ويحدث فى مئات الشركات التى جمعوها فيما نعرفه الآن باسم الشركات القابضة، التى كانت تمثل قاعدة صناعية وإنتاجية عملاقة قبل أن ينفرد رئيس وزراء مصر السابق عاطف عبيد بضمها إلى وزارة قطاع الأعمال وتعيين أشخاص غير أمناء أو غير مؤهلين لإدارتها، وتشكيل لجان من أسوأ خلق الله لتقييم أصولها بثمن بخس، قبل أن تتقدم عصابات اللصوص من المصريين والأجانب لشرائها.. والملف الذى نشرته «المصرى اليوم» يوم الاثنين الماضى فى ملحق «إسكندرية اليوم» عن الشركة العامة لصناعة الورق «راكتا».. هو دليل إضافى على استمرار التدمير المتعمد للشركات المملوكة للشعب التى انتقلت تبعيتها فى حكومة «نظيف» إلى وزارة الاستثمار، والمستندات والوثائق التى حصل عليها الزميل «نبيل أبوشال» واعتمد عليها فى إعداد الملف تشير إلى أننا أمام حلقة أخرى من حلقات التخلص من شركات قطاع الأعمال ومنحها، بتراب الفلوس، لأسوأ عصابات الاقتصاد الحر. تبدأ الأوراق بخطاب أرسله رئيس مجلس إدارة شركة «راكتا» إلى المهندس عادل الموزى، رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، مرفق به مذكرة العرض على الجمعية العامة غير العادية لشركة «راكتا»، بشأن النظر فى تفويض الشركة القابضة فى اتخاذ إجراءات بيع أرض الشونة، البالغة مساحتها 80 فدانا، والموافقة، من حيث المبدأ، على تأجير كل المقومات المادية والمعنوية لشركة راكتا.. وبعد هاتين المصيبتين يزف إليه البشرى: «ونرفق لسيادتكم محضر مجلس إدارة الشركة فى 30/5/2009 الذى تم فيه اتخاذ هذه القرارات» وبقراءة المذكرة تتجسد كل أبعاد الكارثة، فرئيس «راكتا» يخطر المهندس الموزى بأن لجنة حكومية مختصة قدرت سعر متر الأرض - التى تقع على البحر المتوسط مباشرة - ب300 جنيه فقط، وأن بيع الثمانين فدانا سيوفر 100 مليون جنيه، هو لا يريد منها لشركة «راكتا» غير 90 مليون جنيه فقط لإنقاذ الشركة من الظروف الحرجة التى تمر بها، وفى اجتماع الجمعية العمومية غير العادية انفجر أحد ممثلى العمال المساهمين فى الشركة فى وجه الإدارة قائلاً: «متر الأرض فى المنطقة دى لا يقل سعره عن أربعة آلاف جنيه.. يعنى ثمن الأرض هيكون مليار و344 مليون جنيه.. إزاى هتبيعوها ب100 مليون بس.. يعنى احنا بنرمى مال الشعب.. والله حرام.. ولازم اللجنة اللى قامت بالتقييم يتم تحويلها للنائب العام» ثم تكشف الأوراق عن الجريمة الأخطر وهى طلب الموافقة من حيث المبدأ على تأجير الشركة لبعض المستثمرين الذين أبدوا الرغبة فى تأجيرها، على أن يتحمل المستثمر جميع مصروفات التشغيل وأجور العمالة مع المحافظة على المعدات. هكذا وبوضوح فاضح، ستبيع «راكتا» الأرض، التى تساوى ملياراً و344 مليوناً، ب100 مليون فقط، ستصرف 90 مليوناً منها على صيانة المعدات وسداد بعض الديون.. قبل أن تؤجرها، خالية من أى سوء، لبعض المستثمرين.. فهل يحدث هذا فى أى بلد آخر فى العالم إلا إذا كان بلدا محتلاً.. أو بلدا تم وضعه «تحت التصفية»؟! [email protected]