هذه حكاية ذات معنى، حدثت فى سان فرانسيسكو بالولاياتالمتحدة، منذ سنوات، وسمعتها فى القاهرة قبل يومين، وأكتبها اليوم من بيروت! وكان الدكتور صبرى الشبراوى شاهدًا عليها، وحاضرًا فى العمق منها، هو وزوجته، وكان أيضًا طرفًا فيها! والدكتور صبرى، لمَنْ لا يعرف، واحد من كبار الذين تخصصوا فى تدريس أصول تنمية الموارد البشرية فى البلد، وقد كاد صوته ينقطع، من طول التنبيه إلى أن الحديث عن نهضة حاضرة، أو قادمة فى مصر، دون أن يكون ذلك مقترنًا بتأهيل العنصر البشرى على نحو جيد، للنهوض بمثل هذه المهمة، إنما هو نوع من العبث، الذى لن يؤدى فى النهاية إلى شىء حقيقى له قيمة.. ومثل هذا التأهيل يبدأ من التعليم، ثم التعليم، وينتهى به أيضًا. وحين كان يدرس فى الولاياتالمتحدة، كان له صديق أمريكى من كاليفورنيا، فى أقصى الغرب الأمريكى، وكان هذا الصديق يعيش بلا أولاد، وكان يريد أن يكون له ولد يملأ حياته مع زوجته، ولكنه لم ينجب! وقد فكر يومًا فى أن يتبنى ولدًا أو بنتًا، من أى مكان، وراح يتحدث عن هذه الرغبة لديه، مع صديقه الدكتور الشبراوى، الذى طلب منه الحضور إلى القاهرة، ليرى معه، ما إذا كان من الممكن تحقيق رغبته من خلال تبنى إحدى بنات أو أولاد الملاجئ، أو دور الأيتام! وحضر الصديق الأمريكى، وتمكن الدكتور الشبراوى، بعد إجراءات قانونية طويلة، من تحقيق رغبة صديقه، وعاد الرجل الأمريكى إلى بلاده، هو وزوجته، وفى رفقتهما بنت قررا أن يتبنياها! وكان الرجل يقيم هو وزوجته، ولايزالان، فوق قمة جبل أخضر، فى سان فرانسيسكو، هو أقرب ما يكون إلى جنة على الأرض، ومعهما نشأت الطفلة المصرية الصغيرة، وكبرت، والتحقت بمدرستها، ثم استقرت فى واحدة من مدارس الموهوبين، وأظهرت قدرات هائلة فى التعلم والتفوق! وقد ذكر الدكتور الشبراوى، هذه الحكاية، حين كشفت «المصرى اليوم»، قبل أسبوع، عن جماعة مصرية تخصص أفرادها فى تهريب أطفال لقطاء إلى أسر أمريكية، تريد كل واحدة منها أن تتبنى طفلاً، وأن يعيش معها إلى نهاية حياته.. وكانت هناك ضجة هائلة، حول الموضوع، منذ جرى الكشف عنه، لدرجة أن النائب العام، المستشار عبدالمجيد محمود، قد أحال أفراد الجماعة إلى الجنايات! وكان تقديرى، منذ بدء الكشف عن العملية، أننا يجب أن ننظر إلى ركن «القصد» فيها، إذا كانت تمثل جريمة كاملة الأركان، كما يفعل أهل القانون أمام المحاكم، مادام الهدف، من وراء نقل أى طفل من هذا النوع، إلى أمريكا، أو إلى غيرها طبعًا، ليس الاتجار بالطفل أو بأعضاء فى جسده، وليس استغلاله فيما يخالف أى قانون.. إذ لا تستطيع أى أسرة مصرية أن تتبنى طفلاً، لأن التبنى محظور بنص صريح فى الإسلام! يذكر الدكتور الشبراوى أن البنت التى تبنتها الأسرة الأمريكية، على يديه، اتضح أنها موهوبة جدًا، وهى تحيا هناك شديدة الاعتزاز بمصريتها، رغم أنها تعيش هناك طوال الوقت، فهى تعرف أنها مصرية، أو أن جذورها على الأقل مصرية، ولا تخفى ذلك، وإنما تردده فى كل مناسبة، على سبيل الفخر ببلدها.. ولو عاشت بيننا، إلى اليوم، لكانت الآن تلعب بالطين، بدلاً من الألوان فى يدها على قمة الجبل الأخضر.. وربما كانت الآن، لو ظلت هنا، واحدة من بنات الشوارع!.. ليكون ذلك وقتها مصدر سعادة بالغة، للذين ثاروا وغضبوا، وطالبوا بوقف تهريب الأطفال اللقطاء إلى أمريكا، ليعيشوا فى مواسير المجارى فى سعادة مماثلة!