حى الزبالين.. وسط شوارع ممتدة مئات الأمتار، تتخللها ما يقرب من 1500 ورشة لإعادة تدوير البلاستيك، ترشدك رائحة آلاف الأطنان من القمامة إلى واحد من أفقر أحياء القاهرة، إلى الحى فى منطقة منشية ناصر، حيث 37 ألف نسمة، نصفهم تقريباً من الأطفال. للوهلة الأولى قد لا تستطيع رؤيته بصورة واضحة، فهو منهمك فى فرز القمامة. حيث يبحث بطلنا الصغير عن بقايا عبوات الشامبو. لا يلتفت «ريمون »، ذو السنوات العشر، كثيراً إلى حديثك، تراه فقط يجلس بين أكوام القمامة، ويخرج عبوات ماركات الشامبو الشهيرة على اختلاف أحجامها، وبشكل خاص الكبيرة منها لأنها «مربحة أكثر» كما يقول، ويستمر البحث، وكلما وجد عبوته «المنشودة» يضعها فى جوال كبير، ضعف حجمه أربع مرات على الأقل، وقبل أن تدق الساعة الثانية ظهراً، ينهض مسرعاً ويقف على ساقيه الرفيعتين، ليحمل الجوال العملاق على ظهره، ويمسك طرفه بيديه اللتين انتشرت عليهما آثار الجروح نتيجة احتكاكهما بعبوات معدنية وقطع زجاج. حتى وصل إلى مدرسة «التعليم غير النمطى»، أو «مدرسة الأولاد لإعادة التدوير» كما يطلق عليها الأطفال. صعد «ريمون» درجات السلم، وصولاً إلى المدرسة، التى تضم أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 8 و18 سنة، ليجد مشرفاً فى انتظاره، يساعده على وضع الجوال العملاق على الأرض. يقول ريمون: «أعمل فى جمع القمامة وفرزها من صغرى، ويعمل والدى مع شقيقى فى نفس المهنة بمناطق مختلفة بالقاهرة، وتقوم والدتى وشقيقاتى الثلاث بفرز القمامة بالمنزل الذى نسكن فيه، أما أنا فأعمل فى إعادة تدوير عبوات الشامبو، من خلال مدرسة إعادة التدوير». يضيف: «أعمل يومياً من 2 صباحاً حتى التاسعة صباحاً، فى جمع العبوات من القمامة أو شرائها بالكيلو من «المعلمين فى الورش»، وأحضر إلى المدرسة من 10 صباحاً حتى 2 ظهراً، وأضع بيانات حمولتى لدى المشرفين، وتبلغ قيمة العبوة الكبيرة 35 قرشاً، و30 قرشاً للمتوسطة. أنشئت مدرسة إعادة التدوير فى عام 2000، بدعم من جمعيات المجتمع المدنى الموجودة بمنطقة الزبالين فى منشية ناصر، وتضم 120 طالباً سنوياً، فى الفئة العمرية ما بين 8 إلى 20 سنة، ويعمل خريجوها مشرفين بها، وأغلبهم يعملون فى جمع وفرز القمامة، تركوا التعليم أو لم يلتحقوا به من الأساس نظراً لفقر أسرهم الشديد، وفقاً لما ذكرته ليلى زغلول، مديرة المدرسة التى تضيف: «طبيعة المجتمع هنا فقيرة للغاية، والأطفال يصرفون على أسرهم، ومن هنا حاولنا ربط التعليم بزيادة الدخل، ومن خلال دراسة أجريناها بالتعاون مع شركة «بروكتر وجامبل العالمية»، اكتشفنا أن عبوات الشامبو من إنتاجهم يتم إعادة تعبئتها فى مصانع (تحت بير السلم) وبيعها للمحال التجارية والصيدليات». وتابعت: «عرضنا عليهم التعاون من خلال جمع الأولاد لعبواتهم، والتأكد من إعدامها وتكسيرها فى ورش المنطقة، ومكبس خاص بالمدرسة، مقابل دفع مبلغ عن كل عبوة شامبو يتم إعدامها، وعملنا على توعية الأطفال بالجمع الآمن للعبوات. يقول عزت نعيم، المدير التنفيذى لجمعية روح الشباب بمنطقة الزبالين، «أشهرنا الجمعية فى عام 2004، وتوسعنا فى أنشطة مدرسة إعادة التدوير، ولم نجد مقاومة من الأهالى، لأننا نعرفهم ويعرفوننا جيداً، كلنا أبناء الزبالين، ونساعدهم اقتصادياً وصحياً وتعليمياً، وتمتد أنشطتنا لتشمل أمهاتهم وبناتهم»، ووفقاً لنعيم فإن 37 ألف نسمة يعيشون بحى الزبالين، 85٪ منهم مسيحيون، و15٪ مسلمون، ويبلغ متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة 8 أفراد، أب وأم و3 أولاد و3 بنات، 70٪ من الأولاد لا يلتحقون بالتعليم لمساعدة آبائهم فى جمع القمامة من مناطق القاهرة، و60٪ من الفتيات لا يذهبن إلى المدارس.