حقق الرئيس الأمريكى باراك أوباما بدخوله البيت الأبيض حلم الملاييين من الأقليات فى جميع أنحاء العالم، وأثار صعوده كأول رئيس من أصول أفريقية إلى سدة الحكم فى أكبر دولة فى العالم موجة تفاؤل عالمية تصل إلى حد «المفرطة»، لكن أوباما أثار أيضا بفوزه عشرات التساؤلات عما إذا كان الأمريكيون قد نجحوا بالفعل فى تحقيق حلم الزعيم مارتن لوثر كينج فى القضاء على العنصرية نهائيا، ودفع بالكثيرين إلى التساؤل عن إمكانية تكرار تلك التجربة فى دول أوروبية أخرى. أمريكيا، الإجابة حملتها مخاوف اغتيال أوباما، والتى كشفت عنها الإجراءات الأمنية المشددة فوق العادة التى أحاطت بالرئيس الجديد أثناء عملية تنصيبه، وهى المخاوف التى عبر عنها أيضا عدد من الكتاب طوال الحملة الانتخابية وبعدها، بينهم «فرانك ريش» الذى قدم وصلة اعتذار مبطن و«دفاعاً» معلناً عن الأمريكيين «الحقيقيين» سواء كانوا، بيضا أو سوداً، فى سياق تعليقه على هفوة ارتكبها أحد مسؤولى الحملة الانتخابية الخاصة بالمرشح الخاسر جون ماكين. وتحدث ريش عن واقعة استخدام نانسى بفوتنهار، مستشارة ماكين، عبارتى «فيرجينيا الحقيقية» و«المؤيدون لأمريكا»، خلال إحدى حملات مرشح الحزب الجمهورى فى فيرجينيا، واللتين أرادت من خلالهما الثناء على مؤيدى المعسكر الجمهورى فى تلك المدينة، واعتبر الكاتب أن العبارتين كانتا دليلا على حقيقة نظرة القائمين على الحملة للأمريكيين من أصول أفريقية، متسائلا عن دلالة كلمة «الحقيقية» فى سياق حديثها عن سكان فيرجينيا، وعن معنى عبارة «المؤيدين لأمريكا» فى سياق حملة انتخابية، جميع متسابقيها ومرشحيها بالضرورة من الأمريكيين. وخلص ريش من تلك الواقعة إلى أنه إذا كان الجمهوريون لا يدركون أساسا ماهية «أمريكا الحقيقية»، فإن استهجان الناخبين الجمهوريين أنفسهم يؤكد أن كون القائمين على الحملة الانتخابية لحزب ما عنصريين، لا يعنى على الإطلاق أن الأمريكيين جميعهم كذلك. أما فى أوروبا، فقد أعرب ممثلون للجالية السوداء فى بريطانيا عن أملهم فى أن يمهد صعود أوباما لتمثيل سياسى أفضل للسود فى بريطانيا يوما ما، وقال داون باتلر، أحد النواب ال 15 الذين يمثلون الأقليات، من أصل 646 مقعدا، يضمها مجلس العموم البريطانى: «نحتاج إلى مزيد من النواب السود والآسيويين»، واعتبر النائب العمالى أن أوباما «أثبت أن السود يتقدمون فى كل المجالات والمؤسسات، وليس المطلوب منحهم امتيازات بل الإقرار بكفاءتهم». الأمل نفسه عبر عنه البريطانى آدم جوغى (17 عاما)، ذو الأصول الآسيوية-الأفريقية المختلطة بقوله، حين ألقى خطاب الفوز فى نوفمبر: «شعرت بارتعاشة، وفكرت أن أناسا كثيرين ناضلوا وماتوا من أجل هذا الأمر»، كما عكسته كلمات فاليرى أوكوامبا (14 عاما) التى قالت: «أوباما برهن لى أنه إذا كان قادرا على الوصول، فأنا أيضا أستطيع ذلك». غير أن تلك الآمال تبدو مناقضة لما يراه رئيس لجنة المساواة العرقية البريطانى، تريفور فيلبس، الذى وجه انتقادات لاذعة قبل نحو شهرين، أثار من خلالها جدلا واسعا بوصفه النظام السياسى فى بلاده بأنه يتسم ب «عنصرية مؤسسية» تمنع تكرار تجربة أوباما فى بريطانيا، كما أكد فيلبس فى رؤيته أن المشكلة لا تكمن فى الناخبين إنما فى «الآلة» السياسية، التى أكد أنها «تقاوم» اختيار مرشحين سود أو حتى من أصول آسيوية. ويرى فيلبس أن هناك عنصرية فى بريطانيا تمنع ظهور «أى أوباما إنجليزى لتولى منصب رئيس الوزراء»، وأشار إلى أنه حتى السياسى الذى يمتلك مهارة أوباما وذكاءه سيكون عليه أن يشق طريقا صعبا وكفاحا طويلا قبل أن ينجح فى كسر القبضة المؤسسية القوية لحزب العمال البريطانى على السلطة، والمفترض أنه يتباهى بسجله الحافل فى الدفاع عن الأقليات. أما فى ألمانيا، فقد اعتبر مراقبون فى سياق تعليقهم على صعود أوباما أن هذا الحدث التاريخى أثار شكوك الأوروبيين بمثل ما أثار فرحتهم، مؤكدين أن هناك الآن العديد من التساؤلات عن الدولة التى ستكون الأولى على مستوى أوروبا لتحذو حذو الولاياتالمتحدة وتنتخب رئيسا يحكمها من بين الأقليات المقيمة بها. واعتبر الكاتب «جيمس سمى» فى مقال نشرته صحيفة «دير شبيجل» الألمانية أن تكرار نموذج أوباما فى أوروبا سيستغرق بعض الوقت، فمازال يتحتم على «العالم القديم.. طريق طويل ليقطعه»، ورأى أن ما وصفه ب«رحلة البحث عن روح أوباما» فى أوروبا تجلى فيما قالته «راما ياد»، وزيرة الدولة للشؤون الخارجية وحقوق الإنسان، والتى قالت صبيحة إعلان فوز أوباما: «اليوم، جميعنا نريد أن نكون أمريكيين»، خاصة أن فرنسا تضم أكبر نسبة من تجمعات السود والمسلمين العرب على مستوى أوروبا، لتجسد بذلك الوزيرة - الوحيدة فى الحكومة الفرنسية من أصل أفريقى - حلم «التغيير» الذى اجتاح دول العالم بدخول أوباما البيت الأبيض.