سوف يتسلم أوباما من بوش إرثا أسود ارتبط فيه اسم بلاده بجرائم حرب وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان. فالأمر لم يقتصر على ما جرى فى العراق نفسه وإنما امتد ليشمل ماجرى للمعتقلين فى جوانتانامو بل فى مناطق أخرى من العالم. ويمثل معتقل جوانتانامو رمزا ليس فقط لجرائم الحرب وإنما أيضا لانتهاك القانون الأمريكى نفسه. فبعد 11 سبتمبر كانت إدارة بوش قد عقدت العزم على استخدام التعذيب ضد الذين يقعون فى قبضتها. ولأن فى ذلك مخالفة للدستور الأمريكى ذاته، فقد وجدت إدارة بوش ضالتها فى جوانتانامو باعتبارها أرضا غير أمريكية لاينطبق عليها الدستور ولا القانون الأمريكيان! فالأرض المقامة عليها القاعدة البحرية الأمريكية التى أنشئ فيها معتقل جوانتانامو هى أرض مستأجرة عنوة من كوبا، التى أجبرت على قبول ذلك الإيجار مقابل خروج الاحتلال الأمريكى. بقى القانون الدولى ليقف حجر عثرة أمام الجريمة التى كانت تعد لها إدارة بوش. ولذلك اخترعت تعبيرا أطلقته على معتقلى جوانتانامو هو تعبير «المقاتلين الأعداء» لتزعم أنهم لاينطبق عليهم ماورد فى اتفاقات جنيف بشأن معاملة الأسرى زاعمة أن مقاتلى القاعدة لاينتمون لجيش دولة ما حتى ينطبق عليهم ماجاء فى الاتفاقية. وهو فى الواقع تعبير غير مسبوق فى تلفيقه فقد نصت الاتفاقية على أنه إذا كان هناك من شك فيما إذا كان المعتقلون يستحقون معاملة أسرى الحرب فإن الدولة التى أسرتهم عليها معاملتهم كأسرى حرب حتى تقضى محكمة مناسبة بغير ذلك. وإدارة بوش لم ترد فقط التحرر من القانون الأمريكى ومن القانون الدولى وانما سعت أيضا لأن تكون فوق الرقابة والمساءلة من جانب المؤسستين الأمريكيتين التشريعية والقضائية. ومن ثم اخترعت لمحاكمة معتقلى جوانتانامو ما سمته «المفوضية العسكرية» وهو مايجعل تلك المحاكمات غير خاضعة للقانون المدنى ولا حتى للقانون العسكرى الأمريكى. وقد سمح فى تلك المفوضية بإدانة المعتقل بناء على أدلة لايسمح له بالاطلاع عليها وأخرى تم الحصول عليها من خلال تعذيبه أو تعذيب آخرين. الجدير هنا بالذكر أن عشرة فقط من بين المئات الذين اعتقلوا هناك هم الذين وجهت لهم اتهامات حتى الآن. لكن الإرث الأسود لا يتوقف عند جرائم جوانتانامو إذ تبين أن إدارة بوش كانت قد كلفت وكالة المخابرات المركزية بإنشاء عدد من السجون السرية فى ثمانى دول على الأقل حول العالم وأنها أيضا عكفت على تنفيذ برنامج يقوم على إرسال بعض ممن يتم اعتقالهم إلى دول أخرى معروفة بممارسة التعذيب من أجل انتزاع معلومات منهم. والسؤال الآن هل سيتخلص أوباما من هذا الكابوس كما تعهد؟ والأهم هل يفتح تحقيقا بشأن ماحدث من جرائم فى عهد بوش؟ فعدم محاسبة المسؤولين عن تلك الجرائم سيحول ماجرى إلى سوابق يمكن تكرارها. ومن يرد الدليل عليه أن يتابع الإعلام الأمريكى ليرى كل ذلك العدد من رموز النخبة الذين يدافعون علنا عن استخدام التعذيب ولايجدون غضاضة فيما حدث ويرحبون بأن تكون بلادهم فوق القانون الدولى. بعبارة أخرى مالم تكن هناك مساءلة فلن تطوى صفحة إدارة بوش التى قد تعود ممارساتها لتطل علينا يوما ما تحت اسم رئيس آخر!