معبر مفتوح.. ومساعدات «مجمدة».. وتعسف إسرائيلى.. وعشرات الشاحنات فى انتظار قرار من تل أبيب بإدخالها.. وقصف لم يرحم حتى المؤن والأدوية.. رفح تحولت إلى «ثكنة» معونات طبية وغذائية، موجهة لمصابى وأسر ضحايا غزة، فيما لاتزال إسرائيل تمارس ضدهم حرباً من نوع آخر، بوضع شروط «تعجيزية» لإدخال هذه المعونات، فى الوقت الذى اصطفت فيه عشرات الشاحنات المحملة بالغذاء والأدوية، وساد التوتر فى انتظار موافقة إسرائيل دون انتظار إنهاء هذه الإجراءات، التى تستغرق أياماً عديدة وآلاف الدولارات. «المصرى اليوم» فى رحلة إلى المعبر، الذى أصبح محط أنظار الجميع، ترصد تدفق المعونات، وكيفية سير العمل بالمعبر تحسباً لإدخال المساعدات إلى غزة. فى محافظة شمال سيناء، كانت الأمور تجرى على قدم وساق، إذ شهدت المحافظة تحركات إعلامية وأمنية واستعدادات مكثفة من جانب المحافظ، خاصة فى ظل تعنت إسرائيل ورفضها مرور أدوية ومساعدات إلا بشروط مجحفة، بينها وضع هذه المؤن والأدوية فى «بالتة» بلاستيك، يمكن تمريرها فى أجهزة كشف الأسلحة قبل توصيلها للفلسطينيين، وهى العملية التى تستغرق أياماً طويلة وتتكلف آلاف الدولارات، إضافة إلى اشتراط إسرائيل تمرير هذه المعونات عبر معبر العوجة، وهو معبر بضائع، وفى فترة محدودة، من الواحدة حتى الثالثة ظهراً، وهى الفترة التى يهدأ فيها القصف نوعاً ما. بدأت رحلة «المصرى اليوم» إلى رفح لمسافة 35 كيلومترا من العريش مروراً بالشيخ زويد فى منتصف الطريق، وقد بدت المدينة هادئة ببيوتها الصغيرة والعشش البسيطة من جريد النخيل، التى تجاورها أحياناً بعض المبانى السكنية الراقية كعمارات العاصمة، وعلى طول الطريق تنتشر سيارات الأمن المركزى وتزداد كثافتها مع الاقتراب من المعبر ذاته. مع ارتفاع دوى أصوات القصف والصواريخ أدركنا أننا اقتربنا من المعبر، فقد كانت الأصوات عالية والسماء يخترقها فجأة لهيب قذيفة فجائية، وذكر أحد مصورى الوكالات الأجنبية أن هذه الأصوات هادئة بالمقارنة بالأيام الأولى التى قصفت فيها إسرائيل مناطق حدودية قرب المعبر، فقد كان الصوت نفسه كفيلاً بسقوط الواقفين عند المعبر من شدة الصوت ومن هول القوة التى تهز الأرض، وقد أصبحت الأصوات العالية من الأمور المعتادة عند الجنود والضباط المسؤولين عن المعبر، الذين رفضوا الحديث بشكل صارم مع الصحافة. وعند البوابة الرئيسية للمعبر، اصطفت عدة شاحنات تابعة لبرنامج الأغذية تحمل المساعدات الإنسانية والغذائية، التى تنتظر إشارة الموافقة لمرورها خلال المعبر إلى الجانب الفلسطينى، البوابة لها ثلاث نقاط أساسية، الأولى هى البوابة الأولى التى تحمل العلم المصرى، بها بوابتان من الحديد يحرسها عدد كبير من الجنود والضباط المصريين، ثم نقطة صالة الوصول والسفر والجمارك، التى كانت خالية تماماً، ثم النقطة الثالثة، حيث البوابة الحديدية التى تظهر وراءها الكتل الأسمنتية والأسلاك الشائكة، التى تفصل الحدود المصرية والفلسطينية وفى جميع النقاط وعلى جانبى الطريق تقف سيارات الأمن المركزى وسيارة الإسعاف، إضافة إلى الصحفيين ومراسلى القنوات الفضائية ومصورى الوكالات الإخبارية، المرابطين لتصيد الأخبار وصور طائرات «إف 16» الاستطلاعية والصواريخ ومحاولات التسلل عند المعبر. وفى محاولة تسلل صغيرة إلى مكتب العمليات داخل المعبر، كان المكتب المسؤول عن متابعة عمليات دخول وخروج السيارات والمصابين بسيطاً يحمل أكثر من ستة تليفونات أرضية وعدداً كبيراً من التليفونات المحمولة، حيث يقوم الرائدان خالد وأسامة، بالاتصال بالجانب الآخر من المعبر فى فلسطين والسلطات الإسرائيلية للتواصل معها على دخول وخروج السيارات ويتم تسجيل ذلك فى سجل حركة المعبر، وهو دفتر كبير يتم التسجيل فيه يدوياً، وقد رفضوا تواجدى أو محاولات استطلاع هذا الدفتر، وبالطبع كان التصوير ممنوعاً بصفة قاطعة. وعند المعبر، كانت الحركة دؤوبة من اللجنة الكويتية المشتركة للإغاثة، التى علق أعضاؤها لافتات تحمل شعار إنقاذ غزة، وأوضحوا وصول الوفد الكويتى إلى المعبر منذ يوم الأحد الماضى، لمتابعة وصول أكثر من 70 شاحنة للمواد الغذائية، مقدمة من الشعب الكويتى إلى الأشقاء فى غزة، وقال جمال النامى، المتحدث باسم اللجنة الكويتية، إن الشاحنات تحمل الأدوية والمحاليل لمساعدة المصابين، إضافة إلى المواد الغذائية، وهى تمثل مساعدات المجتمع المدنى الكويتى والحكومة الكويتية، ويتم التنسيق بين اللجنة الكويتية للإغاثة بالتعاون مع السفارة الكويتية بالقاهرة المسؤولين بالحكومة المصرية لتوصيل الأدوية وحليب الأطفال وترتيب البرنامج الإغاثى على مدار الأيام المقبلة، وأوضح أنه تم دخول 30 طناً من الأدوية عبر معبر رفح، ونجحوا فى توصيل 15 طناً من الأدوية خلال يوم «الجمعة»، إضافة إلى الخيم والإسعافات الأولية، وأضاف أن وجود لجنة الإغاثة الكويتية مستمر فى منطقة تمركزهم فى العريش لمتابعة وصول الشاحنات، موضحاً أن الطريق مقطوع داخل فلسطين بسبب القصف الذى يستهدف أحياناً تلك الشاحنات أو يقطع الطريق ليمنع وصولها إلى الفلسطينيين. ويبدأ الجنود فى فتح البوابة مع إشارات وصول سيارة إسعاف، لكن وسائل الإعلام ومصورى الوكالات يتكالبون على السيارة عندما يفتح بابها ويواجه المصابون بفلاشات الكاميرات والعدسات التى تندفع فى وجوههم قبل أن تدفع إليهم وسائل المساعدة الطبية، وقال محمد فهد عرفات، مندوب سفارة فلسطين بمعبر رفح، إن مهمته التسهيل والتنظيم والتنسيق مع الأجهزة المصرية فى دخول وخروج المصابين والمواد الغذائية والأدوية، مؤكداً أن القصف لا يفرق بين المصابين والمحتاجين للمساعدات، مؤكداً أن القصف يستهدف المنطقة الحدودية وضرب المساعدات والشحنات الإنسانية، مضيفاً أن عدد المصابين الذين استقبلهم معبر رفح لتلقى العلاج بلغ أمس 5 جرحى و4 مرافقين، ليصل عدد الجرحى الفلسطينيين، الذين دخلوا مصر منذ الأحد قبل الماضى، لنحو 185، استشهد منهم 14 متأثرين بإصاباتهم.