خرج موسى مصطفى (20 عاماً) فى الصباح إلى عمله، لم يعرف أن اليوم سيكون طويلاً، يمتلئ بالشهداء والمصابين والصراخات والعويل، أوقف دراجته البخارية إلى جوار محطة البنزين التى يعمل بها، أصوات الصواريخ والصراخ حولت المنطقة إلى مشهد مرعب، شاهد الشاب الشهداء والمصابين دون تفكير أسرع إليهم، وراح ينقل الجرحى إلى المستشفى القريب، نقل الأول والثانى، وفى المرة الثالثة كان على موعد بصاروخ يسقط أمامه. أصيب الشاب وسقط على الأرض جريحاً، بعدها دخل فى غيبوبة لم يستيقظ منها حتى اليوم، والده «مصطفى - 48 سنة» أكمل الكلام.. قال: «القصف كان فى الحادية عشرة صباحاً تقريباً، وجاءت الساعة السادسة ليلاً، ولم يعد «موسى» إلى المنزل، القصف كان بعيداً عن مكان عمله، لم يتوقع أحد أن يكون من ضمن الشهداء أو القتلى، أسرعت إلى مكان عمله، فوجدت دراجته البخارية فى مكانها، ذهبت إلى مكان الضرب ولم أجده، عدت إلى مكان العمل مرة ثانية ولا شىء جديد، وذهبت إلى المستشفيات التى تم نقل الشهداء والجرحى إليها، وهناك -والكلام على لسان الأب- وجدت منظراً مرعباً، مئات الشهداء على الأرض، أمهات يلطمن الخدود، وآباء يبكون، أطفالاً يصرخون من شدة الخوف، كلما سألت أحداً عن ابنى، لا أحد يجيب، الكل يبحث عن ذويه ما بين شهيد وجريح ومفقود. بعد 4 ساعات من البحث، وجدته.. وجدته داخل غرفة بالمستشفى حالته خطرة، ومعلق على بابها «مجهول»، منعنى الأطباء من الدخول إليه لخطورة حالته، شاهدته فقط راقداً لا يدرك شيئاً، أمسكت بيده، لكنه كان فى دنيا ثانية، اتصلت بأمه وإخوته وطمأنتهم عليه، رغم أن حالته سيئة. جلست إلى جوار الغرفة، أنتظر أحد الأطباء ليطمئننى عليه، ولكن فجأة وجدت حالة من الرعب، الجميع يجرى خارج المستشفى، الأطباء والمرضى والمرافقون يسرعون بالهروب من المكان، وكلما سألت أحداًرد على «اجرى بسرعة هيضربوا المستشفى»، وقفت أمام غرفة ابنى، لا أعرف ماذا أفعل، أهرب بحياتى وأتركه يلاقى مصيره إن كان مازال على قيد الحياة.. أم أبقى معه وتكون الحياة معاً أو الموت فى مكان واحد؟! دون تفكير وجدت نفسى أدخل إلى الغرفة، وجدته ينزف الدماء، بكيت وأمسكت بأطراف السرير، سمعت صوت إنذار فى المستشفى يطالب الجميع بتركه فى الحال، وبعدها بدأت الصواريخ تضرب المنازل المجاورة للمستشفى، اختبأت مثل الأطفال الصغار أسفل السرير، ثوان وفوجئت بزجاج المستشفى ينهار من قوة الضرب، انتظرت دقائق حتى هدأ القصف، وخرجت بعدها لأجد معظم المنازل المجاورة ومسجداً إلى جوار المستشفى انهارت من الصواريخ. فى اليوم التالى نقلوا ابنى إلى معبر رفح تمهيداً لسفره إلى مصر لخطورة حالته، وقتها كان قد حدث تبادل إطلاق نار على الحدود المصرية وقتل ضابط مصرى، فتم إغلاق المعبر، وانتظر ابنى داخل سيارة الإسعاف لمدة 6 ساعات تقريباً، يستيقظ أحياناً ويصرخ من شدة الألم، فلم أعرف ماذا أفعل له، أبكى معه، أنزل من السيارة أحياناً وأجلس فى الأرض بعيداً عنه حتى لا أشاهده وهو يتألم. بعد ساعات طويلة حضرنا إلى مستشفى معهد ناصر فى القاهرة، وأدخله الأطباء غرفة العناية المركزة لخطورة حالته، مر أكثر من أسبوع وهو على نفس الحالة حالته تسوء يوماً بعد الآخر، لن أحزن إذا توفى، لأننا سنكسب شهيداً جديداً، ولكننى أريد أن أعود إلى باقى أولادى وزوجتى وأمى، لا أعرف عنهم شيئاً، أخشى أن يكون حدث لهم مكروه، ولا يجدون من يقف إلى جوارهم.