من عمل لآخر، يسعى خالد النبوى لأن يكون مختلفاً بحيث لا تأتى أفلامه متشابهة، بل يغير جلده بين الأفلام الجادة والتجارية. وفى فيلمه «دخان بلا نار» يرصد النبوى وقائع حدثت فى لبنان عام 2003 من خلال شخصية مخرج مصرى، شاهد على الأحداث ليقدم تجربة مختلفة قد لا يرحب بها ممثل آخر غيره، فى حين أنها تضيف الكثير إلى رصيده السينمائى. * هل تعتقد أن القمع ظاهرة عربية؟ - هى ظاهرة عالمية، والممارسات القمعية موجودة فى العالم العربى والغربى على السواء، ولا تخص العالم العربى فقط، فممارسات جوانتانامو وأبوغريب ممارسات قمعية غربية. * ما الذى حفزك لتقديم الفيلم رغم أنه يقدم شأناً لبنانياً خاصاً؟ - أهمية فيلم «دخان بلا نار» أنه يُرى الجمهور المصرى لبنان على حقيقته وكيف يعيش اللبنانيون، فكثير من المصريين ينظرون للبنان على أنه ليس سوى مايوهات ورقص، بل هو ملىء بالبارود والانفجارات والاختلافات والطوائف الدينية المتعددة، فى الوقت الذى لا يفصلنا فيه عن لبنان ساعة بالطائرة مثلاً، وبالتالى كان لابد من تصحيح تلك النظرة الخاطئة عنه، وتأمل ما يحدث حولنا، والفيلم يناقش القمع ولبنان نموذج له. * وما الاعتبارات التى تراعيها حين تقدم فيلماً مثل «دخان بلا نار»؟ - فقط أن يكون الدور جيداً ويعجبنى. * وما الذى أعجبك فى الدور؟ - لم أقدمه من قبل، والسيناريو مكتوب بشكل جيد، وليس للأمر علاقة بأن الفيلم سياسى، بل إن المنتج يفهم فى السينما والمخرج يعرف كيف يخرج منى ما بداخلى لتجسيد هذا الدور. * وهل توافر هذا فى «دخان بلا نار»؟ - بالفعل، فالدور لم أقدمه من قبل، والسيناريو مكتوب بشكل جيد، وطبيعة الشخصية أنه مخرج مصرى متجه للبنان كى يقدم فيلماً عن القمع هناك، وقد كتب سمير الشخصية بشكل يدل على أنه «فاهم» كيف تكون شخصية المخرج وما تتمتع به من خيال، وما أعجبنى أكثر فى السيناريو براءة المخرج «خالد» التى يتمتع بها، فهو يصور فيلماً عن ناس لا يعرفهم بشكل كاف، فهو برىء ومتواضع ويسأل ويستفسر منهم عن كل شىء، وفجأة يجد نفسه معتقلاً ومذنباً، وبالتالى يتعاطف معه الناس حيث لا يتصورون أن يطال القمع الأبرياء أيضاً، ومن لا دخل لهم فى أى شىء لا من بعيد ولا من قريب. * هل شكلت المشاركة فى فيلم لبنانى مجازفة بالنسبة لك؟ - الفيلم كله بالنسبة لى مجازفة، بدءاً من مضمونه ونوعيته وغيرهما، وليست مسألة المشاركة فى الفيلم فقط، ولكننى أخذت المجازفة كلها على بعضها، حتى تصوير الفيلم كان مجازفة كبيرة بالنسبة لى ولجميع العاملين فيه، فقد أجل المنتج جابى خورى التصوير عدة مرات لظروف أمنية قد تهدد حياتنا، ففى إحدى المرات كنا نستعد للسفر فطلب جابى التأجيل، لأن الجيش يحارب فى الشمال فى نهر البارد جماعة فتح الإسلام، فأجلنا التصوير وبعدها بثلاثة أسابيع اتصلت بجابى لأخبره باتصالى بالسفير المصرى فى لبنان حسين ضرار الذى طلب منى ومن أسرة الفيلم عدم السفر إلى لبنان وقتها وعدم السفر إلا حين يخبرنا بذلك، وحين سنحت الظروف سافرنا وقضى معنا جابى 3 أيام فور بدء التصوير لحين الاطمئنان على الأحوال وظروف التصوير، وقد صورنا تحت حماية الأمن اللبنانى. * وكيف تقيم تجربة العمل مع مخرج لبنانى؟ - لا أصنف الناس على أساس جنسياتهم، فبالنسبة لى المخرج مخرج أياً كانت جنسيته، وسمير حبشى مخرج أمين جداً فى عمله، وأمين مع الممثل ويحبه وليس مخرجاً أنانيا، فلا تلمح فى عمله حرصه على مصلحته أكثر من مصلحة الفيلم ومن يعمل فيه، وأهم ما يميزه حبه لبطله عكس مخرجين آخرين لا يحبون أبطال أفلامهم. * ألم تتخوف من تقديم فيلم مع سمير حبشى وهو لم يقدم سوى فيلم واحد ولاقى انتقادات كبيرة وقتها؟ - إطلاقاً.. وفيلم «الإعصار» أول أفلام سمير حبشى أعجبنى جداً، كما أن هناك كثيراً من المخرجين الذين يتميزون كثيراً فى أفلامهم الأولى لدرجة اعتبارها أفضل أفلامهم على الإطلاق من قبل النقاد مثل «ريدلى سكوت». * هل استفزتك كممثل الأجواء التى تم تصوير الفيلم فيها ومحدودية ميزانيته وعدم ضخامتها ؟ - طبعاً.. خاصة إذا كنت محباً للدور، وإذا كنت على اقتناع تام بأن المنتج لن يبخل على أو على الفيلم إذا كان فى مقدوره ذلك، فلا أتخيل ألا يقدم الفيلم لمجرد أننى رفضت تقديمه مثلاً، فهذه خيانة للمهنة، ومنذ عرض جابى على الفيلم وسألنى عن أجرى قلت له «أنا معكم» أولاً ثم نتناقش فى مسألة الأجر، لأن المال والأعمار وكل شىء يتبدد، وما يتبقى هو العمل الفنى وقيمته. * حافظت على أدائك بمستوى واحد طوال الفيلم؟ - كانت هناك مناقشة ثنائية بينى وبين سمير وأخرى ثلاثية جمعتنا بجابى، وما ساعدنى فى تقديم الدور المعرفة الإنسانية التى يجب أن تتوافر فى أى ممثل، وأيضاً الخيال فى تقمص شخصية المخرج «خالد»، وكان لابد لى من تحليل الشخصية وتحديد اتجاهها وأنه محايد يتفرج على الأحداث وراصد لها، ولا يصنعها ولا يشارك فيها، وألا أقدم انفعالاً أكثر من المطلوب كى لا أخرج عن الشخصية التى ترى صناعة فيلم عن القمع أهم من أى شىء آخر حتى من علاقته بصديقته، وقد أعددت للشخصية وتعايشت معها منذ قراءتى السيناريو فى يناير وحتى بدء التصوير فى يونيو 2007 وانتهائه فى يوليو 2007، وقد تفرغت للفيلم ولم أنشغل بعمل آخر خاصة أن شكل الشخصية مختلف حيث أطلقت لحيتى، كما أننى حريص على اختلاف ما أقدمه من فيلم لآخر. * كيف تعاملت مع مشاهد التعذيب لتقنع الجمهور بها؟ - تعاملت مع الدور على بعضه وما تطلبه من أداء جسدى ولفظى من ناحية، ومع مشاهد التعذيب وما استلزمته من استعداد نفسى خاص وجسدى أيضاً من ناحية أخرى، حيث تم تعليقى من قدمى بحيث يكون رأسى إلى الأسفل وتكبيلى بالقيود والجنازير وهى طريقة التعذيب التى تعرف ب«البلانكو»، وفى النهاية عمل الممثل ليس رفاهية، وعلى مستوى الشكل أيضاً كان هناك استعداد للشخصية، فقد طلب منى سمير إطلاق لحيتى وارتداء «جاليه» والذى بالمناسبة كان خاصاً بسمير.