من السهل إلقاء اللوم على المشكلات التى واجهتها الشركات الثلاث الكبرى لصناعة السيارات فى أمريكا على مديريها التنفيذيين، فعلى الرغم من أن القادة الثلاثة جاءوا من مجالات ذات خلفية متباينة، فكان ريك واجنور رئيس جنرال موتورز رجل صناعة، بينما كان آلان مولاى نجما فى شركة بوينج وظل فى شركة فورد لمدة عامين فقط، وجاء روبرت نارديللى من شركة جنرال إليكتريك إلى شركة كرايسلر منذ عام تقريبا. ولكن التساؤل المهم هو: كيف أن هؤلاء المديرين الناجحين أصبحوا غير ناجحين بمجرد وصولهم إلى ديترويت؟ وكيف نفسر أنه فى الوقت الذى تنقل فيه جنرال موتورز وكرايسلر وفورد أنشطتها للخارج فإنها تتنافس بشكل جيد وبشكل مختلف فى أوروبا وأمريكا الجنوبية والصين. البعض يشير إلى قوانين الامتياز الممنوحة للولاية، أو لغيرها من قواعد استهلاك الوقود، إلا أن أكبر الاختلافات تكمن فى ديترويت، حيث تدخل الشركات الثلاث فى اتحاد خاص لعمال صناعة السيارات، كما أن الفروع الخارجية غارقة فى مشكلاتها، والقضية الآن لا تتعلق بمعدلات الأجور، فالفروع الخارجية تدفع جيدا كما أن اتحاد عمال الصناعة قدم تنازلات كبيرة خلال المفاوضات الأخيرة لتنظيم علاقة العمل مع تلك الشركات. ولكن الأمر يبدو متعلقا بكيفية إدارة النشاط فى شركة تدخل فى إطار الاتحاد الذى لا يزال يمثل مشاكل تعوق مسيرة الصناعة، فرغم أن هذا الاتحاد اعتبر أكثر الاتحادات نجاحا فى أى وقت ولكن قوته جعلته يتدخل فى كل مناحى الصناعة لدى شركات ديترويت الثلاث. فاتفاقية المفاوضات الجماعية مع اتحاد صناعة السيارات واجهت مفاوضات شاقة وتتلاءم مع وضع الشركات الثلاث، ولكن تلك المفاوضات لم تنطبق على كل المنافسين الأمريكيين لهذه الشركات والتى تشمل ضم فروع الشركات إلى اتحاد الصناعة، وبجانب قواعد العمل والقرارات الإدارية الأساسية الخاصة ببيع وإغلاق فرع ما كان محظورا دون الحصول على إذن وهذا الإذن ربما يتم التوصل إليه، ولكن بمقابل لأنه يجب التفاوض على كل شىء فى مجال العمل. فكل من اتحاد صناعة السيارات وديترويت يحتفظ بكادر كبير من المحامين والمدراء وطاقم من الموارد البشرية وممثلين يتلخص جل عملهم فى التفاوض مع الطرف الآخر على كل المستويات، ويتم التفاوض بشأن اتفاقية المفاوضات الجماعية كل 4 سنوات وفى كل مرة تنمو قوة وتغلغل الاتحاد فى العملية التفاوضية، وإن طلبت الشركة تغيير مستوى إدارة الأنشطة لأى سبب مثل تقليل النفقات أو تحسين صناعة الشاحنات فإن الاتحاد هو من يتخذ القرار فى النهاية وقد يضع شروطه التى قد تقبل بعضها وقد لا تقبل أخرى، فالعملية عبارة عن بيروقراطية تفاوضية. وتتفاقم تلك المشكلة فى حالة بحث تخفيض حجم العمالة فكل طرف أو وحدة له فريق تفاوضى ورئيس، وإن سعت الشركة لدمج منشأتين فلن تكون هناك حاجة لرئيسين أو هيكلين وظيفيين، وحيث إن أى رئيس للشركة لا يرغب فى أن يكون دوره مثل «الكراسى الموسيقية» فإنهم يتجهون إلى العملية التفاوضية ومن ثم يرفضون الدمج، وينتج عن ذلك عدم بيع المنشآت غير الضرورية ولكنها تبقى مفتوحة ليس إلا من أجل استمرار الوحدة التفاوضية ورئيسها الذى يمثلها. كما أن اتحاد الصناعة مارس تأثيرا غير عادى على الإدارة الأمريكية فالرئيس الحالى للاتحاد رون جيتلفينجر اعتبر سلفه ستيف يوكيتش مروعا فى تعاملاته، فقيل عنه إنه قد يفقد الشخص منصبه إن أصابه بالغضب، وكان يسيطر على رؤساء الاتحاد التنفيذيين، وجميع المديرين السابقين كانوا يعرفون عنه حدته، مما زاد من صعوبة العمل مع الاتحاد كما تسبب فى وجود صعوبات فعلية على نجاح المديرين التنفيذيين لشركات السيارات. وقد يكون من الأمور الجيدة أن ترغب إدارة الرئيس جورج بوش أو الكونجرس فى إنقاذ صناعة السيارات المحلية لأنه دون تلك المساعدات فلن تتمكن تلك الصناعة من إنقاذ نفسها، لعدم قدرتها على التعامل مع القيود القانونية التى تزايدت من حولها ولعدم قدرتها على التعامل بفاعلية مع اتحاد صناعة السيارات. وصنفت خطة الإدارة الأمريكية على أنها تشمل «أهدافاً إضافية» لتفعيل قواعد العمل والأجور لتصبح شركات السيارات تنافسية مع فروعها، وأكد جيترفيلد أن الاتحاد قدم تضحيات مهمة وأنه سيعمل مع إدارة الرئيس المنتخب باراك أوباما والكونجرس الجديد للتأكيد على التخلص من تلك الشروط غير العادلة، وتقود إدارة أوباما الدفة والتساؤل الرئيسى هو إذا ما كان الديمقراطيون الذين تلقوا دعم الاتحاد سيكون عليهم الدفع لتشجيع الاتحاد نحو إقامة علاقات أكثر عقلانية مع الشركات الثلاث، ولكن إن لم تضغط إدارة أوباما على الاتحاد لتقديم المزيد من التنازلات فى تلك العلاقات فلن تتمكن من إنقاذ الشركات الثلاث لصناعة السيارات فى ديترويت.