مئات الشهداء وما يقرب من 2000 جريح.. هذه هى حصيلة المجزرة الوحشية الإسرائيلية المعروفة باسم «الرصاص المتدفق»، التى تتم منذ أيام بتخطيط دقيق لتحقيق أهداف ومصالح مشتركة لكل من إسرائيل وحماس وسوريا وإيران، والضحايا هم أهالى غزة الذين يدفعون ثمن وحشية إسرائيل ومصالحها الانتخابية والطموح السياسى ل«حماس»، والأجندة السياسية لكل من إيران وسوريا اللتين ترغبان فى إرسال رسالة للعالم بأنهما تملكان أدوات لتحريك وإشعال المنطقة، وبالتالى استقرارها وإطفاؤها ليساوما بهذه الأدوات على تحقيق أجندتهما المعروفة للجميع، والتى يهمنا منها هنا الجزء الخاص باستهداف مصر ومحاولة الإساءة لصورتها، للنيل من دورها الرئيسى والمحورى فى المنطقة. ولتحقيق أجندتهما السياسية، عملت إيران وسوريا على استخدام الأدوات، التى تسيطران عليها بالتمويل والإمداد، واستخدمتا ذراعيهما الممتدتين فى الأراضى الفلسطينية ولبنان، وكانت الذراع الأولى هى حركة «حماس» التى تملك تعاطفًِا شعبيًا عربيًا بسبب دورها السابق فى مقاومة الاحتلال، والذى فقدته منذ أن ذاقت طعم السلطة والحكم، وتحولت صواريخها إلى «بمب العيد» الذى يصدر دويًا عاليًا دون أى تأثير، اللهم إلا خدمة الأهداف السياسية للحركة وطلبات أجندات الدول الداعمة لها دون إلحاق أى أذى فعلى بالمحتل، بل تصب أيضًا فى خدمة أجندة إسرائيل السياسية التى تستغل «بمب العيد» للظهور بمظهر الضحية والمعتدى عليه والمعرض دائمًا للإرهاب، بما يبرر لها ارتكاب مجازر دموية بشعة بحجة الدفاع عن النفس. بدأ استغلال «حماس» فى المخطط الحالى بدفعها إلى إفشال الحوار الوطنى الفلسطينى، الذى كان مقررًا عقده فى القاهرة فى اللحظات الأخيرة بعد شهور طويلة وجهود محمومة بذلتها القاهرة للمصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين، ثم دفعها إلى إطلاق تصريحات قبل ساعات من انتهاء الهدنة الهشة بينها وبين إسرائيل تهدد فيها بعدم التمديد، وهى تهديدات غير مبررة وغير موضوعية وتفتقد المقومات التنفيذية على إلحاق الأذى بإسرائيل «التى خرقت الهدنة بالفعل عشرات المرات»، ولكن هذه التهديدات الجوفاء أعطت الفرصة لإسرائيل لإطلاق تهديدات فعلية قابلة للتنفيذ بالقيام بعملية عسكرية ضخمة ضد غزة تحت دعوى الدفاع عن النفس، ولتشكل كذلك فرصة لا تعوض للحكومة الإسرائيلية الحالية التى وصلت لأقصى حالات الضعف للحصول على شعبية جماهيرية تفتقدها بشدة قبيل الانتخابات المقبلة. وبينما انتفضت مصر لمواجهة التهديدات الإسرائيلية بضرب غزة، وسارعت بإدانتها وأجرت الاتصالات لمحاولة إجهاضها ودعت تسيبى ليفنى، وزير الخارجية الإسرائيلية الحالية، والساعية لرئاسة الحكومة فى الانتخابات المقبلة، فى محاولة لا تهدف سوى لحماية مصالح وأرواح الشعب الفلسطينى، استغلت «حماس» ال48 ساعة التالية لانتهاء الهدنة لتطلق 60 صاروخًا من نوعية «بمب العيد» لم تسقط جريحا إسرائيليًا واحدًا، وإنما حققت الهدف الذى تسعى إليه الحركة وإسرائيل بإفشال جهود مصر لإحباط الضربة الإسرائيلية فى غزة، والتى نفذتها بالفعل وبأقصى قدر من الدموية والوحشية. وهنا يتبادر إلى ذهنى سؤالان، إلا أنهما يثيران عشرات من علامات الاستفهام: هل لحكومة «مقالة» تفاجأت بغارات وحشية، مثل هذه، أن يكون كل قادتها فى مأمن من طائرات العدو التى تحدد بدقة كل أهدافها، حتى إننا لم نسمع حتى ولو عن محاولة استهداف أحد مقار هؤلاء القادة؟ هل لزعامة رشيدة تهدف لصالح شعبها وتهتم لأمر 1.5 مليون فلسطينى، وضعهم الحظ العاثر تحت إدارتها تفاجأت بغارات سفكت دماء مواطنيها وأسقطت مئات الشهداء وحوالى 2000 جريح، أن ترفض علاج جرحاها الذين فتحت مصر أبوابها لاستقبالهم وعلاجهم تحت دعوى وقحة وغير إنسانية تطالب فتح الحدود «أمام الأحياء وليس الموتى» للعبور إلى مصر «حسب تصريح فوزى برهوم المتحدث باسم حماس»، وكأن الجرحى ليسوا أحياء وفى عداد الموتى؟!! وهنا جاء دور الذراع الثانية لسوريا وإيران: حزب الله ورئيسه حسن نصر الله، وهو الذى توقعنا أن ينطبق عليه الحديث الشريف: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان».. خرج «سماحة السيد» حسن نصر الله بكلمة توقعنا فيها أن يهدد بفتح النار من جبهة الجنوب اللبنانى ليشتت ويربك قوات العدو المشترك، إلا أنه على العكس أكد أن حزب الله لن يفتح جبهة شمال إسرائيل ليوجه بذلك رسالة طمأنة إلى تل أبيب إلى أنه استبعد أولى درجات تغيير المنكر وهى يده، أما لسانه، فقد اعتبر أن المنكر ليس أن قوات الاحتلال تقصف إخواننا الفلسطينيين دون تفرقة بين مدنى وشرطى ومقاوم أو شيخ وامرأة وطفل، بل إن لسانه، الذى طالما هتفنا له من قبل ودمعت أعيننا لما يلقيه من خطب بلاغية وحماسية، وحتى عندما أعلن أسفه عن تكبد بلاده آلاف الشهداء والجرحى إضافة إلى تدمير البنية التحتية خلال العدوان الإسرائيلى الأخير على لبنان، قال هذا اللسان إن المنكر هو «عدم فتح معبر رفح»، بل بلغت به الصفاقة والوقاحة، أن يوجه حديثه لشعب مصر وقواته المسلحة للانقلاب على النظام ليفتحوا معبر رفح بالقوة!! ليكشف بذلك لسان حسن نصر الله، بعد أن غلت يده، عن مكنون قلبه الذى يدين بالولاء لمموليه فى سوريا وإيرانا ويأتمر بأمرهم ويسعى لتنفيذ أجندتهم السياسية، ليصبح حتى أبعد ما يكون عن «أضعف الإيمان». ووجد هذا المخطط الشيطانى هوى فى نفوس الباحثة دائمًا عن دور دون فائدة، وهى دولة قطر التى استقوت نفسها باعتبارها تضم أكبر قاعدة أمريكية عسكرية فى العالم، فسارعت إلى توجيه قناتها «الجزيرة»، التى يملكها الشيخ حمد بن جاسم آل ثان، رئيس وزراء قطر، لتصب سمومها تجاه مصر، وكأن القضية الأساسية هى فتح معبر رفح أمام مقاتلى «حماس» وليس المجزرة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وبدت نتائج هذا المخطط، الذى بدأت إرهاصاته الأولى الفاشلة منذ أسابيع قليلة فى طهران ودمشق أمام السفارتين المصريتين هناك، فى الظهور، ففى الوقت الذى تعالت فيه الاحتجاجات والمظاهرات ضد العدوان الإسرائيلى فى «فرنسا»و«هولندا» و«بريطانيا» و«جنوب أفريقيا»، وبولندا والنرويج واليونان واليابان وكوريا الجنوبية تم تنظيم مظاهرات احتجاجية ضد مصر أمام سفاراتها فى عدد من الدول العربية للمطالبة بفتح معبر رفح «المفتوح أساسًا منذ أول أيام المجزرة، لاستقبال ومرور الجرحى الفلسطينيين والمساعدات الطبية والغذائية للمحاصرين من أبناء غزة، بين مطرقة العدوان الإسرائيلى وسندان الحكم الحمساوى». وبينما شهدت مصر عشرات المظاهرات المطالبة بوقف المجزرة والمؤيدة للشعب الفلسطينى فى نضاله، شهدت كذلك مظاهرات واحتجاجات سارعت إلى تنظيمها جماعة «الإخوان»، الباحثة أيضًا عن دور سياسى بقيادة «المرشد» شخصيًا، الذى قاد بنفسه وقفة احتجاجية ومظاهرة فى أول وثالث أيام العدوان، وهو الذى لم يظهر شخصيًا من قبل أثناء 5 مجازر واعتداءات إسرائيلية كبرى فى الأعوام الأخيرة، على الأقل راح ضحيتها آلاف من الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وشاركت كل فصائل «تنظيم الإخوان» فى محاولة التشكيك فى دور مصر فى القضية الفلسطينية، سواء عن طريق كتلتها البرلمانية فى مجلس الشعب التى زعمت أن قرار المجزرة الإسرائيلية تم اتخاذه فى القاهرة، أو عن طريق أجن حتها الفرعية فى المحافظات التى رفعت اللافتات، فى المظاهرات التى تطالب بفتح معبر رفح، الموقعة باسم «الإخوان المسلمين» فى دعاية فجة لتنظيم يبحث عن دور سياسى ولو على حساب بلده وإخواننا فى فلسطين. وبينما تواصل مصر دورها غير القابل للتشكيك فيه فى القضية الفلسطينية والذى دفعت ومازالت تدفع فيه الكثير من جهدها ووقتها ودماء أبنائها، والذين كان آخرهم الشهيد الرائد ياسر عيسوى، الذى تلقى رصاصات غادرة من أحد الذين يحاول تأمين مرور جرحاهم لتلقى العلاج، فلابد من الانتباه لمحاولات ضرب دور مصر بل واستقرارها من خلال الذين قرروا أن القضية لم تعد تحرير فلسطين أو توحيد الفرقاء الفلسطينيين أو حتى وقف نزيف الدم الفلسطينى، بل أصبحت فتح معبر رفح أمام الآلاف من مقاتلى حماس المندسين وسط مئات الألوف من إخواننا الفلسطينيين، فى محاولة لضرب الاستقرار فى مصر أو محاولة لتصدير القضية الغزاوية إلى الأراضى المصرية من خلال المخطط الإيرانى - السورى - الحمساوى - الإخوانى، والذى يتواكب مع المصالح الإسرائيلية.