الكارثة فى حياة هذا الرجل هى علامة تغيير، دائماً كان للأفضل، فقد كانت كارثة فقده أسرته تحت أنقاض منزله على إثر زلزال 1992 نقطة تحول خطيرة فى حياته، خاصة أن القدر شاء أن يكون محمد السيد ياسين هو الناجى الوحيد من الأسرة: «خرجت الصبح من بيتنا اللى فى القلعة، ورحت ورشة تشغيل وسبك المعادن اللى باشتغل فيها عامل، ولما رجعت البيت لقيته كوم تراب ومالقتش حد من أهلى». ياسين فقد فى الزلزال أبويه وإخوته: «ماعنديش حاجة غيرهم أحزن عليها، لأننا كنا عيلة واحدة، بنشتغل ونساعد بعض، وفجأة راح الضهر اللى كنت بتسند عليه، وواجهت الحياة لوحدى».. كره ياسين المنطقة التى تذكره بكارثة فقد أسرته، لكنه لا يملك نقوداً تساعده على استئجار ولو غرفة فى أى مكان آخر، خاصة أن دخله من عمله فى الورشة كان ضئيلاً. التفت ياسين إلى موهبته فى الإنشاد وحلاوة صوته بالمصادفة، فقد كان دائم الجلوس بمفرده ينشد لنفسه هامساً، وبمجرد أن يعلو همسه بالإنشاد يلتف الناس حوله يشيدون بصوته، وبراعته فى الأداء، وبدأ يمارس الإنشاد إلى جوار عمله فى الورشة، واستأجر غرفة فى بدروم فى منطقة البساتين: «كنت بحوش القرش ع القرش عشان أطلع بس من الأوضة اللى فى البدروم لأنها كانت بتجيب أمراض ومبيدخلهاش شمس، وكان أقصى أحلامى أن يبقى معايا إيجار الأوضة اللى فوق السطوح عشان أشوف الشمس». قبل 8 سنوات تمكن السيد ياسين من استئجار غرفة فوق السطوح، ووجد أنه كلما رأى الشمس ازداد صوته حلاوة وقدرة على الإنشاد، ثم تزوج من ابنة صاحبة العمارة، ولم يعد يضايقه سوى أمطار الشتاء التى تنسال على سطح الغرفة الخشبى القديم.. هنا جاءته الكارثة الثانية: «مرة كنت باصلح سقف الأوضة الخشب وقع عليا بالكامل، فسبب لى عجزاً فى يدى اليمنى، وزادت نسبة العجز فى ذراعى، بسبب خطأ طبى فى أحد المستشفيات التى عولجت فيها، حتى عجزت يدى تماماً عن الحركة». توقف عن العمل فى الورشة، وظل 8 سنوات يبحث عن عمل آخر، لكنه فشل.. شعر أن كل ما يحدث له إرادة إلهية تدفعه إلى احتراف الإنشاد والغناء: «مابقاش عندى غير الغنا.. نفسى أفضل أنشد، وربنا يرزقنى من صوتى، أنا حاسس إن ربنا سبب كل ده كعلامة عشان ينبهنى للموهبة اللى ادهالى، لكن أنشد إزاى وفين، المراكز الثقافية مش عايزة تشغلنى».