مهما كتبت أقلام الكتاب وعلت حناجر المتظاهرين، فلن تتحرك الحكومات العربية خطوة جادة واحدة لمواجهة عمليات الإبادة الجماعية التى يواجهها فلسطينيو غزة، العزل منهم والمدنيين، ولا نقول مسلحى «حماس» أو أسرى «فتح» فى معتقلات القطاع، فحمامات الدم التى يستحلها الاحتلال – عادة بذريعة وقف صواريخ المقاومة – تطول من تطول من مسلحين ومدنيين أبرياء، على حد سواء. هذا ما يمكن استقراؤه ببساطة من رسائل متصفحى الإنترنت وقراء المواقع الإخبارية وأصحاب المنتديات السياسية بل من لسان حال المتابعين للمجزرة على شاشات التليفزيون، ليعكس كل ذلك الرأى العام للشارع العربى، الذى فقد الأمل فى قدرة حكوماته على التصدى للعدوان الإسرائيلى فى جميع الأراضى المحتلة، مهما تصاعدت وتيرته وتجاوز مداه. فأزمة الثقة بين المواطن العربى وحكامه تحولت بالتواتر إلى سهام تطعن فى ولاء ووطنية تلك الأنظمة، لتدينها تارة ب «التواطؤ» مع إسرائيل، وتارة ب «الترتيب المسبق» معها، حتى فى مثل هذه المجازر الدموية، حتى باتت مصداقية هذه الحكومات أمام شعوبها على المحك، ولعل هذا هو أسوأ ما نواجهه فى الوقت الراهن، فى ظل حالة عداء متنامية وتباعد مطرد بين الشارع العربى وأنظمته السياسية الحاكمة. وها هم من أشاروا بأصابع الاتهام، فور وقوع المجزرة، أول ما أشاروا، إلى الرئيس عباس، متهمين إياه ب«التورط فى مؤامرة» وشن «حملة تحريضية» على مستوى العالم العربى، لدفع حكامه إلى السكوت عن ضرب «حماس» فى مقتل، مدللين بذلك على رغبته فى استعادة القطاع، خاصة أن المجزرة تزامنت مع زيارته الملكة العربية السعودية. هناك أيضا من شككوا فى «التطمينات» التى بعثت بها القاهرة ل «حماس» عشية المجزرة، ردًا على تلميحات الحركة الإسلامية بموافقتها على التفكير فى تجديد التهدئة، قائلين إن هذه «التطمينات» دفعت قادة «حماس» إلى العدول عن إخلاء المقار الأمنية التى قصفتها إسرائيل بعد ذلك بساعات، وهو ما دلل عليه سقوط المئات منهم فى محيط هذه المقار، فى مشاهد تليفزيونية مفجعة لاشك أنها ستبقى حية فى الذاكرة العربية، مثلها مثل مذابح «قانا» و«صابرا وشاتيلا». وأخيرا وليس آخرا، هناك من انتقد «الصمت العربى» ومن استنكر «صمت» وزير الخارجية أمام تهديد ووعيد نظيرته الإسرائيلية بنسف «حماس» وسحق المقاومة، فى تصريحات نارية اختارت لها أن تخرج من القاهرة، الكامنة على بركان هذه الأيام، وسط حملة شعواء تشنها الصحف الرسمية على كل منتقديها ممن تصفهم ب «المزايدين». وبين الاتهامات المتبادلة ب «المزايدة»، مقابل «التواطؤ» و«الخديعة» «والمؤامرة» التى يصب بها الشارع العربى غضبه على حكامه أكثر مما يُحمل إسرائيل الآن من مسؤولية، تتباعد الفجوة بين الشعوب والأنظمة العربية أكثر فأكثر، مهما عقدوا من اجتماعات عاجلة – تم بالأمس تأجيلها - وقمم طارئة، فلن ترقى بأى حال من الأحوال إلى مستوى الغضب العارم الذى يجيش فى صدور شعوبهم، طالما ظل كل زعيم عربى يرهن نزاهة قراره السياسى ببقائه فى منصبه.