الدكتور عبدالمنعم سعيد، مدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، أحد الذين أعتز بصداقتهم على المستوى الشخصى، وأزعم أننى أتابع معظم ما كان يكتبه فى الماضى وما يكتبه فى الحاضر، وكذلك مسيرة تحولاته الفكرية وآرائه السياسية منذ كان محسوبًا على اليسار الوطنى والزعيم عبدالناصر حتى وصوله إلى أقصى درجات اليمين المتطرف الذى يرى أن الرأسمالية هى الحل، وأن الرئيس الراحل أنور السادات كان زعيما ملهما!! لذلك لم أتعجب كثيرًا حين قرأت مقاله الأخير فى أهرام 22/12 تحت عنوان «البحث عن السعادة» والذى يعلق فيه على تقرير لقسم بحوث وقياسات الرأى العام بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية الذى جاء فيه أن 43.2٪ من العينة التى تم عليها البحث قالوا إنهم سعداء، وأن 46.8٪ قالوا إنهم لا سعداء ولا تعساء، أى أن الأغلبية الساحقة (حوالى 90٪) إما أنها سعيدة أو على الأقل لا تشعر بالتعاسة فى الوقت الحاضر!! وبغض النظر عن وصفه العينة التى بُنى عليها هذا البحث بأنها أكثر من كافية، فإنه اتخذه أيضًا دليلاً على صحة استطلاعات سابقة قام بها مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام منذ عام 1997 حتى 2003 (لاحظ الفرق الزمنى) والتى أثبتت أن درجة الرضا الشعبى عن أحوالهم هى أعلى مما تتوقع أو تعتقد الطبقة السياسية والإعلامية فى البلاد على حد قوله!! كما أكد الدكتور عبدالمنعم، كذلك، تقارب نتائج هذا البحث الأخير مع نتائج أبحاث أخرى فى الموضوع نفسه قام بها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء!! وبطريقة ناعمة وغير مباشرة دلل الدكتور العزيز بهذه الاستطلاعات على الخطأ الذى وصفه سيادته بالشائع الذى يقع فيه الكثير من المفكرين وقادة الأحزاب والمهمومين بقضايا هذا الوطن، والذين يرون جميعًا أن بلادنا العزيزة تمر بأسوأ فترات تاريخها، وأنها لم تمر بمثل هذه الحالة من التردى من قبل.. وساق سيادته أدلة أخرى تجعل الشعب المصرى سعيدًا مثله فقال بالحرف الواحد: «وعندما ينمو بلد بنسبة 7٪ لثلاث سنوات ويحافظ على معدلات النمو الإيجابى لأربع سنوات وتجرى فيه استثمارات أجنبية بأكثر من 30 مليار دولار وأكثر منها من الاستثمارات المحلية، ويعيش الناس عصر المحمول فى جيله الثالث فإنه من الأرجح ألا يكونوا تعساء، ومن يعلم ربما يكونون سعداء أيضًا»!! لقد قال فى هذا المقال نفسه إنه بمناقشته أحد المشاركين فى أحد المنتديات التى حضرها وصلوا إلى أن السعادة بالمعنى الاقتصادى والسياسى ترتبط بدرجة الرضا بالحالين العام والخاص والتعايش معهما.. وأنا أطلب من الصديق العزيز بعيدًا عن زيف الاستطلاعات ووهم الأرقام، شيئًا واحدًا وهو أن يضع مجموعة من الأسئلة على مكتبه يقوم بتوجيهها لكل من يقابله بالمكتب بدءًا من الساعى وحتى كبار الزوار.. ليسألهم: هل هم راضون عن تعليم أبنائهم فى مدارس الحكومة أو حتى تلك التى بالمصاريف؟ هل هم راضون عن مستوى ما يقدم لهم من خدمات صحية خاصة فى حالة الطوارئ؟ هل هم راضون عن مستوى ما يلاقون من معاملة بأقسام الشرطة وإدارات الحكومة بصفة عامة؟ هل هم راضون أو مطمئنون على أنهم فى أى قضية لهم سيواجهون قضاء عادلاً منصفًا وناجزًا؟ هل هم مطمئنون على مستقبل أولادهم وأحفادهم فى بلدهم؟ هل تضمن لهم رواتبهم الرسمية الحد الأدنى من المعيشة الإنسانية؟ هل يتنقلون داخل مدنهم الكبرى بسهولة ويسر وأمان كما هو المفترض فى أى مكان فى العالم؟ هل يجدون سكنًا يؤويهم وغذاء يكفيهم وثوبًا يسترهم حين يريدون؟ هل يستنشقون هواء نقيًا ويشربون ماء هنيًا؟.. هل... وهل... وهل...؟ بالتأكيد فإن الإجابات بالنفى التى سوف يسمعها من الجميع تقريبًا ستكون صادمة له ولمن يشعرون بالسعادة مثله من السادة الإعلاميين الحكوميين فى شتى المواقع.. فمن أين تأتى حالة السعادة هذه يا عزيزى الدكتور؟! أنا لا أشكك فى أحد ولكن لدى تفسير محتمل لهذه الإحصائيات وهو مرتبط بالإحصائيات التى تؤكد أن حوالى 80٪ من الشعب المصرى فى هذا الزمن الأغبر يتعاطون المخدرات بأنواعها المختلفة حتى ينسوا أحوالهم ويعيشوا فى نشوة الغيبوبة، وبالتالى فإن شعورهم بالسعادة والسرور يمكن أن يكون صحيحًا، وهو ما يفسر أيضًا ما يصر الدكتور على تكراره، بأن الشعب المصرى غير جاهز للثورة أو التغيير الدراماتيكى.