فى الأردن، حيث يختلط المصرى بالعراقى والفلسطينى والسورى، تظهر الكثير من المشكلات اليومية التى يعانيها البعض بسبب عدم القدرة على التعايش مع طمع بعض أصحاب الأعمال الذين يبحثون عن العمالة الأرخص التى تصمد لساعات أطول وبالطبع «الأرخص» فى هذه الحالة هم المصريون. ومن الصعب دخول أى مكان فى العاصمة الأردنية دون مقابلة مصريين يعملون هناك حيث تعتمد عليهم قطاعات الخدمات والإنشاءات والزراعة بشكل كبير. وتشير إحصاءات وزارة العمل الأردنية إلى أن 68٪ من العمالة الوافدة فى المملكة مصريون يعمل أغلبهم فى قطاع الخدمات. وطبقًا لتصريحات سابقة لأمين عام وزارة العمل الأردنية ماجد الحباشنة فإن القانون ينسحب على الجميع فيما يتعلق بالحد الأنى للأجور وساعات العمل، إلا أن المادة 108 هى التمييز الوحيد حيث تحظر على غير الأردنيين الانضمام للنقابات والمنظمات العمالية. وعلى الرغم من أن قانون العمل الأردنى لا يفرق فى الحقوق بين العمالة المحلية والوافدة فإن سماسرة العمال يستغلون المصريين أسوأ استغلال فعلى الرغم من أن الرسوم المستحقة عن عقد العمل إجمالاً تعادل 200 دينار أردنى (1600 جنيه مصرى) فإن السمسار يتقاضى 1000 دينار (أكثر من 8000 جنيه) وبالتالى يستدين المصرى ليسافر بحثًا عن فرصة عمل ليجد نفسه يعمل 12 ساعة بأجر أقل من نصف الحد الأدنى المنصوص عليه قانونًا ولا يؤمن عليه صحيًا وكثيرًا ما يتم استثناؤه من الضمان الاجتماعى الذى يكفل له مكافأة نهاية الخدمة. من جانبه، قال محمد عبدالمحسن «مصرى من المنيا» إنه يعمل بالأردن منذ 1999، بعدما أنهى دراسته وحصل على دبلوم فنى عمل بالقاهرة فى عدد من الأماكن فى المقاهى ومحال بيع الخضروات والفواكه، ثم سافر فى نهاية التسعينيات وعمل خلال العامين الأولين فى محل لبيع الخضروات بعدها انتقل من مكان لآخر حتى استقر حاليًا ليعمل فى مكانين أحدهما صباحًا والآخر بعد الظهر. واعتبر أهم مشكلة تواجه العمالة المصرية هى الحصول على التصريح من السفارة فهناك صعوبات كثيرة تواجههم للحصول على ذلك التصريح، والسفارة فتحت الباب لتسوية الأوضاع فترة ثم أغلقته وعاودت استصدار التراخيص ثم توقفت وهو ما يضيق الخناق على المصريين بالأردن. كما أن هناك مشكلة أخرى تواجه البعض تتعلق بفكرة الكفالة نفسها والتى جعلت المصريين تحت رحمة كفالة صاحب العمل وتعرضهم لمشكلات، فهناك أعمال لا يسمح القانون الأردنى بعمل المصريين بها لكن أصحابها يستخدمون عمالة مصرية وبالتالى لا يمكن استخراج تصاريح لهم على كفالة أصحاب تلك المحال ويضطرون للعمل بشكل غير قانوني، لكن لو كانت كفالة العمال المصريين على السفارة ستحل كثير من المشكلات ولن تكون هناك فرصة لأن يتحكم شخص بمصيرهم. إبراهيم محمد الذى يعمل بأحد فنادق عمان قال إنه حضر فى البداية بعقد عمل على مزرعة ثم انتقل لمنطقة «سحاب» الصناعية وأخيرًا استقر بالفندق، وهو شخصيًا لم يواجه مشكلات مع الأردنيين، إلا أن كثيرًا من المصريين يواجهون مشكلات أبرزها ساعات العمل الطويلة وضعف الرواتب مقارنة بباقى الجنسيات، بالإضافة إلى السكن غير الملائم، حيث يعيشون بالعشرات فى غرف بأسقف من الصاج «تشويهم» صيفًا وتغرقهم بمياه الأمطار شتاء. كما أن الاتفاقية الأخيرة بين الحكومتين المصرية والأردنية تسببت فى مشكلات كثيرة للمصريين، حيث أصبحت كل الأوراق وجوازات السفر فى يد الكفيل مما جعله يتحكم فى العامل المصرى، الذى يجب أن يعمل 12 ساعة متواصلة على الأقل ليحصل على راتب ما بين 200 و300 دينار (1700 - 2500 جنيه مصرى). وبألم عميق تحدث الأمير أحمد «من سوهاج» عن لقمة عيش فى الدولة الشقيقة، موضحًا أنه حضر إلى الأردن منذ عام واحد فقط، استدان ليتمكن من دفع تكاليف عقد العمل، واضطر للتنازل واحتمال التعامل السيئ وأوضاع غير إنسانية وراتب أقل كثيرًا مما هو منصوص عليه فى العقد لأن كل أوراقه فى يد كفيله ويمكنه فى لحظة أن يغلق كل أبواب الرزق أمامه. ففى البداية كان المنصوص عليه فى العقد ما يوازى 2000 جنيه مصرى شهريًا، مقابل 8 ساعات عمل، لكن حين وصل إلى الأردن وجد وضعًا مختلفًا فالأجر 110 دينارات أردنى (أقل من 1000 جنيه مصرى) مقابل 12 ساعة عمل، وأكد أن مشكلته تهون إذا ما قورنت بمشكلة أخيه الذى مرض فاضطر للعودة إلى مصر للعلاج ولكى يضمن صاحب العمل عودته أجبره على التوقيع على إيصال أمانة ب 10 آلاف دينار حتى يعود إليه مرة ثانية، ومصرى آخر سافر بحثًا عن لقمة العيش وقبل بأوضاع سيئة وحين سقط خلال عمله من على سلم، فانكسر ظهره، رفض صاحب العمل التدخل، واضطر للسفر إلى مصر للعلاج ثم العودة لاستئناف العمل مرة ثانية، وابن عم الأمير مرض بالكلى وعاد إلى مصر دون الحصول على أى مستحقات للعلاج أو تعويض للإصابة لأن العقود التى أتوا بها جميعها لا تشمل تأمينًا صحيًا فقط ما يسمى بالضمان الاجتماعى الذى يضمن مكافأة نهاية الخدمة وليس التأمين الصحى. وعن الشعب الأردنى بشكل عام قال محمود «من المنصورة»، إنه شعب طيب ورائع ومعاملتهم محترمة وراقية للغاية لكن المشكلات التى واجهته هو وأفراد أسرته الذين يعملون هناك جاءت من أصحاب العمل الفلسطينيين، وبالنسبة لحالته فصاحب العمل يتعمد الخصم من راتبه كل شهر خاصة مع اقتراب زيادة الحد الأدنى فى الراتب بالأردن والمنتظر تطبيقها مع بداية يناير 2009، كما أنه لم يكمل بعد عامه الأول مع الكفيل ويعرف جيدًا أنه لو لم يكمل العام ويترك الكفيل بهدوء وبدون مشاكل فستكون النتيجة أن يبلغ عنه الكفيل ويدعى أنه جاء للعمل عنده ثم هرب على الرغم من أنه يحضر يوميًا ودون تأخير، لكن تلك هى الحال التى تكررت أمامه أكثر من مرة، وبالتالى فعليه الآن الاحتمال مقابل نفس الدخل الذى كان يحصل عليه فى مصر، على أمل أن يتمكن من إنهاء العام الحالى والانتقال لعمل أفضل يساعده على تسديد ديونه التى اقترضها للسفر.