حملت صحف الأسبوع الماضى تغطية موسعة لحادث دخول شعبان عبدالرحيم المستشفى، إثر تعرضه لأزمة تنفسية أحدثت له غيبوبة، مما استدعى نقله الفورى إلى غرفة العناية المركزة، ووضعه على جهاز التنفس الصناعى. من اللحظة الأولى ولغت الصحف جميعها بلا استثناء فى دم شعبان عبدالرحيم، ومشت على جثته فى طريق الإثارة، وبحثاً عن بعض الأكشن الذى يزيد التوزيع، على حساب سمعة وشرف رجل بسيط لا يعرف حقوقه، ولا يفهم كيف يوقف هؤلاء المعتدين عند حدودهم. كتبت الصحف أن سبب الغيبوبة هو تعاطى شعبان لمخدر الحشيش، وسبقوا معامل تحليل السموم فى هذه النتيجة، وأعلنوا أن ملابس شعبان كانت تحوى قطعة من الحشيش حددوا وزنها بدقة ( 16 جراماً). بصرف النظر عن صحة الوقائع السابقة من عدمه فإنه من الواضح أن شعبان عبدالرحيم قد أخطأ فى حق نفسه أكثر من مرة. أخطأ عندما لم يفهم أن قانون اللعبة الفنية يقضى بأن يملأ يده بالطعام طول الوقت ليحشو فم الصحفيين كما يفعل زملاؤه ذوو الخبرة والحصافة الذين يضمنون ألا تنشر الصحف عنهم إلا كل ما يشرف، بالرغم من غياب ما يشرف معظم الوقت، ولو أدى الأمر إلى فبركة واصطناع الأخبار الكاذبة. وأخطأ شعبان عبدالرحيم أيضاً، عندما لم يقم أقاربه الذين أدخلوه المستشفى بحشو فم الممرضين والتومارجية حتى لا يفرح أحدهم بالعثور على قطعة حشيش فى جيب الجاكيت، ويجرى بها على رؤسائه وهو لا يخفى سعادته، وكأنه موظف شريف أدى واجبه! مع أن موظفين شرفاء مثله فى مستشفى آخر قد انتزعوا الرصاصة من ظهر تامر لإخفاء دليل الاتهام بحق ضابط الشرطة الذى قتل تامر بسلاحه الميرى! ما بال الصحافة تتربص بالبسطاء من الناس والفقراء منهم بالأخص وتتعامل معهم بهذا التحيز، مثلها فى ذلك مثل أجهزة الأمن التى لا يضرب الساديون من أفرادها إلا الفقراء والبسطاء من أبناء الشعب، وما بال الصحافة تنتهك خصوصية الفقراء، وتضع صورهم مشفوعة بالاتهامات عندما يكونون موضع اتهام، فى الوقت الذى تمتنع عن كتابة الاسم وتكتفى بالحروف الأولى، أو لا تشير لأى حروف على الإطلاق عندما يكون المتهم من ذوى المال والحيثية والنفوذ؟ هل نسيتم أن الشخص الذى قام بالاعتداء على لاعب الإسكواش أحمد برادة منذ سنوات وسدد إليه فى ظهره طعنة بالسكين..هذا الشخص لم يتمكن البوليس من التوصل إليه حتى الآن. وكلنا نذكر أنهم ألقوا القبض وقتها على ولد متخلف عقلياً اسمه «محمد ولعة» وقدموه للنيابة التى قضت ببراءته فوراً لأن حجم التلفيق والاصطناع كان مفضوحاً للغاية. ومن يومها تم إسدال ستائر النسيان على الموضوع، والسبب أن الجانى الحقيقى كان من أولاد الذوات، الذين لا يمكن أن يأتى ذكرهم فى الصحافة ولا تقديمهم للمحاكمة. وأحمد برادة نفسه لم يتمسك بحقه وأنكر معرفته بالفاعل، وتمت تسوية الأمر بينه وبين قاتله أو من حاول قتله بعيداً عن ساحة المحكمة. ووقتها تحلت الصحف بالمسؤولية والموضوعية ولم تلهث وراء الإثارة، ولا استبدت بها شهوة النشر والرغبة فى التوزيع، وحفظت للناس أعراضهم فلم تشهّر بالمجرم وأهله، ولم تكتب اسمه أو تنشر صورته. كل هذه العفة الصحفية لم تكن لوجه الله أو لوجه المهنة، وإنما كانت بسبب حصانة الجانى وأهله، أما محمد ولعة وأهله الفقراء فليذهبوا إلى الجحيم! مسكين شعبان عبدالرحيم.. لا شك أنه الآن يضرب كفاً بكف غير مصدق ما يحدث له من تحقيقات ونيابة وفضائح وتشهير، لأنه يعرف من خلال انخراطه فى الوسط أن الكثير من زملائه من أهل الفن يتعاطون الحشيش، وما هو أقوى من الحشيش بعلم الدنيا كلها، دون أن يجرؤ أحد على فضحهم أو النيل منهم. ولا شك أن شعبان لا يصدق ما يحدث حوله، لأنه قد رأى بعينه راقصة شهيرة شاهدها الناس على سيديهات، كانت توزع على قارعة الطريق وهى تضاجع رجل أعمال فى أكثر من عشرة أفلام مختلفة، صورها لها رجل الأعمال الذى كان يتسلى بتصوير خليلاته، ورغم هذا لم تلحق بسمعتها شائبة، بل خرجت من التجربة مرفوعة الرأس بعد أن تبارت الصحف والقنوات التليفزيونية فى إظهار ملائكيتها وطهرها وحسن نيتها، حين أظهروها كضحية للرجل الشرير الذى زعمت أنه زوجها، دون أن يطلب منها أحد دليلاً على هذا الزواج، واكتفوا بكلمة شرف منها!. لم تتهمها صحيفة واحدة بالدعارة، وتركوها تملأ الدنيا ولولة وصياحاً على الأخلاق الخربة والزمن الردىء الذى وضعها فى طريق الرجل الذئب، وهى الطاهرة البتول والخضرة الشريفة!. مسكين يا شعبان يا ابن البلد، يا طيب وجميل وبرىء من الرياء والنفاق، يا من تعامل معك الجميع باعتبارك فقرة مسلية، وليس إنساناً له حقوق يتعين حفظها، ونظروا إليك باعتبارك صاحب «حيطة واطية» يسهل تسلقها والتغوط إلى جوارها!