لم أجد أحمد شفيق قلوقاً كما رأيته هذه الأيام.. مع أنك فى كل مرة تقابله يعطيك انطباعاً بالهدوء والثبات والقوة، وهذه هى عادة أصيلة لا تجدها إلا فى العسكريين الذين تبوأوا مواقع حساسة.. لذلك سألته عن أسباب هذا القلق.. فقال لى: أحمد الله أن قلقى ليس خوفاً من المسؤولية.. وأى طيار ناجح فى عمله لابد أن يكون قلوقاً لأن القلق بالنسبة له هو إصرار على النجاح. قلت: وماذا يعنى إنشاء مطار جديد بالنسبة لوزير الطيران الفريق أحمد شفيق؟ قال: يعنى حاجات كثيرة، لأنك تجد نفسك مسؤولاً عن 500 بند، وكل بند لا يصبح متكاملاً إلا بعد أن تطمئن عليه.. وتقوم بمراجعته ومعاينته بنفسك.. وهذا هو سبب القلق.. إذن القلق هنا هو نوع من الإتقان وقد تحترق فيه شبكة الأعصاب.. لكن المهم أن تتحقق الإرادة ويتحقق معها النجاح. من هنا فهمت نوعية القلق الذى يعانى منه أحمد شفيق.. فهو قلق طبيعى يصاحب القادة فى الميدان وهم يقدمون على انتصار ينتهى بإعجاز.. والانتصار الذى حققه شفيق كقائد للطيران المدنى وأصبح فى عهده إعجازاً بعد مطار شرم الشيخ هو المولود رقم 3.. أى مبنى الركاب الجديد لميناء القاهرة الدولى الذى نقلنا إلى خريطة المطارات الدولية العملاقة.. وأصبح محور ارتكاز لسياحة الترانزيت تلتقى فيه جميع الخطوط الدولية العالمية لكى تبدأ انطلاقاتها حول الكرة الأرضية من قلب القاهرة. الذين يتابعون هذا الحدث ويشاهدون مبنى الركاب رقم 3 لا يصدقون أنهم على أرض مصر بعد أن أصبح مطار القاهرة سيمفونية متكاملة بعد ربط مبنى الركاب الجديد رقم 3 بمبنى الركاب رقم 2 عن طريق كوبرى مغطى مزود بمشايات متحركة لتسهيل حركة الركاب بين المبنيين.. صالة السفر وحدها داخل المبنى الجديد ضمت «110 كاونتر» لوزن أمتعة الركاب.. و«38 كاونتر» لضباط الجوازات ومثل هذا العدد للجوازات فى صالة الوصول لإنهاء الإجراءات للركاب.. ورغم ذلك فإن السيمفونية لم تتوقف، فقد قامت الشركة المصرية القابضة للمطارات، التى يرأسها اللواء مهندس إبراهيم مناع، العقل الفنى لأحمد شفيق، بطرح مناقصة عالمية على الشركات العالمية للبدء فوراً فى عملية تشغيل قطار كهربائى يربط بين أبنية المطار الثلاثة.. وجهة نظر شفيق أن هذا المشروع يتيح للركاب فرصة الانتقال من مبنى إلى آخر فى دقائق.. ولكم أن تتصوروا المسافة التى سوف يتحرك فيها هذا القطار فربما تصل إلى 2 كيلو وسوف تبلغ طاقته الاستيعابية 4 آلاف راكب فى الساعة الواحدة. الجديد فى هذه التكنولوجيا عند تشغيل القطار الكهربائى داخل المطار أنه سوف يخدم السوق التجارية الجديدة التى أقيمت على طوابق متعددة بين مبنى الركاب رقم 1 وصالتى السفر والوصول رقم 2.. ولأول مرة تهتم وزارة الطيران المدنى بخدمة ركاب الترانزيت باستثمار الوقت لديهم بدلاً من الانتظار بالساعات الطويلة داخل القاعات طبقاً لجداول رحلاتهم.. ولذلك اشترطت فى المواصفات إقامة محطة لهذا القطار لركاب الترانزيت للتجوال داخل الأسواق، أو تنقلهم بين محطات القطار لأبنية المطار الثلاثة حسب رغباتهم. الغريب أن المولود رقم 3، الذى كان عصارة فكر أحمد شفيق أصبح كامل النمو قبل موعده.. فقد جرت العادة لأى مولود أن يكبر تدريجياً.. لكن هذا المولود ولد كبيراً وعملاقاً لاستقبال الطائرات الحديثة، وأصبح قادراً على استيعاب 15 طائرة من الطرازات العملاقة فى توقيت واحد.. وهذا لا يحدث إلا فى المطارات العالمية الضخمة.. الطاقة، الاستيعابية لحركة الركاب داخل هذا المبنى تصل إلى 3950 راكباً فى الساعة وقت الذروة.. ولأول مرة يتم تأمينه بدوائر تليفزيونية مغلقة يصل عددها إلى 326 وحدة بجانب تأمين حركة الركاب.. ولذلك تم تزويد صالة السفر والوصول ب51 سلماً كهربائياً و63 مصعداً كهربائياً و50 مشاية متحركة.. إلى جانب وجود سلسلة من المطاعم العالمية جاءتنا من الخارج ودفعت مئات الدولارات كتأمين للعمل داخل هذا المبنى.. طاقة المبنى قادرة على تشغيل 23 طائرة فى توقيت واحد ودون الإخلال بمواعيد الإقلاع. كلمة أخيرة أقولها من قلبى: برافو أحمد شفيق وإن كانت التهنئة لا تكفى، فهذا الرجل يستحق وساماً شعبياً تقديراً لعقليته، فقد كان وفياً لهذا البلد عندما حلف اليمين أمام الرئيس مبارك يوم أن حمل حقيبة وزارة الطيران.. ورأينا وفاءه على صدر بوابات مصر بتجديد وتحديث مطارات مصر.. هنيئاً له على اختياره اللواء مهندس إبراهيم مناع، الذى كان مستشاراً فنياً له فى القوات الجوية، فقد عرفوه بالعقل المبتكر للتطوير.. فأصبحت له بصمات فى مطار القاهرة وشرم الشيخ والغردقة والأقصر بعد رئاسته للطيران المدنى.. والفضل كما يقول لفكر قائده الفريق أحمد شفيق. [email protected]
