قبل عامين، استيقظت الأمة الإسلامية والعربية على مشهد شديد الخسة، عندما اختار الرئيس الأمريكى جورج بوش أن يستخدم «أعوانه» فى بغداد لتنفيذ حكم الإعدام فى الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، صبيحة أول أيام عيد الأضحى. لم أكن أبداً من المعجبين بصدام حسين، ولم يدفعنى التعاطف مع الشعب العراقى أو كراهية الإدارة الأمريكية المتوحشة، إلى نسيان شىء مما اقترفه صدام حسين ضد شعبه، وضد جيرانه، ولكننى لحظة إعدامه - مثل معظم المصريين - شعرت بمهانة رهيبة، وانخرطت فى بكاء موجع وأنا أردد معه الشهادتين، وداخلنى احترام بالغ لهذا الإنسان الذى واجه أعداءه المدججين بالسلاح وأدوات الإعدام، بصلابة عظيمة، وفى هذه اللحظة فقط لم أعثر بداخلى على أى إحساس بالكراهية لهذا القائد الكبير.. ويوماً بعد آخر أخذت أراكم جبالاً من الكراهية للرئيس جورج بوش الابن وأعوانه الخونة فى العراق. وكان السؤال الذى شغلنى طويلاً آنذاك، هو: لماذا لم يتدخل حاكم عربى واحد لإثناء النظام العراقى العميل أو الرئيس جورج بوش، عن تنفيذ الإعدام فى الرئيس صدام حسين فى هذا اليوم بالذات.. باعتباره مناسبة دينية مقدسة لمئات الملايين من المسلمين فى أرجاء المعمورة؟ لماذا لم يعترض حاكم عربى واحد على المغزى الخسيس والمهين لاختيار هذا اليوم بالذات الذى لا تُنحر فيه إلا الأضاحى، موعداً لقتل زعيم عربى مسلم؟ وكيف تغاضى هؤلاء الحكام العرب - دون استثناء - عن أن الإهانة العميقة موجهة إليهم قبل شعوبهم، وأنها تنم عن احتقار الإدارة الأمريكية للأمم الإسلامية حكاماً ومحكومين؟ المذهل فى الأمر، أن الرئيس جورج بوش الابن، خرج على العالم كله قبل عيد الأضحى الماضى مباشرة، ليعترف علناً أن الحرب التى شنتها أمريكا على العراق، وانتهت باحتلاله فى أبريل عام 2003 ، بُنيت على معلومات خاطئة، وأبدى أسفه العميق للشعب الأمريكى لأنه تسبب فى آلام غير مقصودة لعشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين وأسرهم. ثم كرر جورج بوش اعترافه مرة أخرى بالقول إن العراق لم يكن يملك أسلحة دمار شامل، وأن النظام العراقى المخلوع لم يكن على علاقة بتنظيم القاعدة، وأن المعلومات التى جمعتها أجهزة مخابراته قبل الحرب، قامت على الظن ولم تستند إلى أدلة مؤكدة. نعم، استناداً إلى مجرد ظن آثم، ارتكب جورج بوش كل هذه الجرائم: احتلت قواته دولة مستقلة، ودمرت مصانعها ومزارعها ومدارسها وجامعاتها ومعامل أبحاثها ومستشفياتها وكل بنيتها الأساسية.. وقتلت مليون مواطن عراقى، وشردت خمسة ملايين آخرين، ودكت طائراته صروح العراق التراثية، ونهبت محتوياتها، وتلك جرائم ضد الإنسانية غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى كله تستوجب محاكمة جورج بوش وآخرين من أعوانه باعتبارهم مجرمى حرب. لهذا كله لم أفرح كثيراً بواقعة قذف - أو رجم - جورج بوش بفردتى حذاء الصحفى العراقى منتظر الزيدى يوم الأحد الماضى، ولا أخفى عليكم خوفى الشديد من أن يؤدى الفرح الشعبى الجارف بهذه الواقعة، إلى صرف منظمات المجتمع المدنى عن أداء واجبها فى ملاحقة جورج بوش قانونياً، باعتباره واحداً من أشرس وأفظع مجرمى الحرب فى التاريخ الإنسانى كله. باختصار: قذف جورج بوش بالجزمة مجرد فعل رمزى، وقد يكون سبباً فى إفلاته من المصير الذى يستحقه كمجرم حرب عتيد، ومن محاكمة عادلة تنتهى بمصادرة ثرواته التى جمعها من السيطرة على منابع النفط وتنشيط مبيعات شركات صناعة السلاح، وصولاً إلى حرمانه من حياة ملأها كذباً وقتلاً وإبادة ونهباً وظلماً.. وتطهير الحياة من أمثاله هو وحده القصاص الذى يستحق الفرح. [email protected]