كثيراً ما تتناول بعض الأقلام والكتابات الموالية والصديقة للحزب الوطنى الديمقراطى وحكوماته المتعاقبة بالهجوم والاتهام الكتابات التى تعتبرها معارضة لرؤية حزبهم وأداء حكوماته، مركزة فى كثير من الأحيان على ما ترى أنه خلوها من المقترحات والأفكار «الموضوعية المحددة» التى يمكن تنفيذها وتطبيقها فى الواقع العملى المصرى. وترى الأقلام والكتابات الموالية والصديقة للحزب الحاكم وحكوماته أنه ليس لدى المعارضة وكتابها من شيء يقدمونه للمصريين سوى النقد المتواصل بل الهجاء غير المنضبط للحزب وحكوماته دون أن يملكوا القدرة على تقديم الحلول الممكنة للمشاكل والأزمات التى يعيشها المصريون والتى يبالغ كتاب المعارضة فى الحديث عنها، بالرغم من أنها كما يعتقد أبناء وأصدقاء الحزب الحاكم قليلة ومحدودة وفى طريقها جميعاً للحل على يد حزبهم وحكوماته. وتطرح تلك الاتهامات قضية أوسع من مجرد الطريقة التى يتناول بها الكتاب والمحللون الأداء الحزبى والحكومى للنخبة الحاكمة فى مصر، وهى وظيفة الكاتب والمحلل وما يجب عليه أن يكتبه ويقوله فى وسائل الإعلام الجماهيرية التى تصل إلى أوسع قطاعات من الرأى العام. فالكتاب ليسوا فئة واحدة عليها أن تقوم بالمهمتين اللتين يقترحهما أبناء وأصدقاء الحزب الوطنى وحكوماته، أى النقد وتقديم المقترحات والبدائل. فهناك فئة وظيفتها الوحيدة هى التحليل البحثى أو الصحفى لما يجرى من وقائع أو ما يصدر من وثائق تتعلق بأى من الشؤون العامة للتعريف بأبعادها والدوافع والأسباب التى كمنت وراءها والقوى التى تستفيد من وتلك التى تضار والنتائج والآثار التى يمكن أن تنتج عنها. ولا يمكن عند القيام بهذه الوظيفة التحليلية فى الكتابة أن يطالب أحد الباحث أو الصحفى أو المحلل الذى يقوم بها بأن يقدم فيما يكتب بدائل أو مقترحات لما يقوم ببحثه وتحليله من ظواهر، فهذا أمر لا يدخل ضمن وظيفته التى تقف عند حدود الالتزام بقواعد البحث والتحليل العلمية المستقرة دون أن يجاوزها. وفى هذا السياق، فإن أحداً لم يسمع أو يقر عن هجوم أو اتهام لهذه النوعية من الكتابات التحليلية والبحثية لأداء بعض النظم السياسية الغربية وفى مقدمتها النظام الأمريكى سواء على صعيد السياسات الداخلية أو الخارجية، بأنها »مغرضة« أو »ناقصة« لأنها لم تتضمن اقتراحات بإصلاح ما أظهرت تحليلياً عطبه أو قصوره فى هذا الأداء. كذلك فهناك فئة أخرى من الكتاب، وهم الصحفيون عموماً وصحفيو التحقيقات خصوصاً، وظيفتها الوحيدة هى الكشف عن مختلف جوانب الظواهر العامة فى المجتمع والدولة مع التركيز بصفة خاصة على الأبعاد السلبية فيها لوضعها أمام المسؤولين والرأى العام عسى أن يؤدى ذلك إلى مبادرتهم بإصلاحها. وعلى الرغم من طبيعة وظيفة هذه الفئة من الكتاب، فإن ما يقدمونه من تحقيقات وموضوعات فى مختلف الصحف، وبخاصة المعارضة والمستقلة، يتضمن فى معظم الأحوال مقترحات وبدائل محددة سواء على ألسنة مصادرهم أو من بنات أفكارهم هم لما يطرحونه فيها من جوانب سلبية لأداء النظام السياسى المصرى بحزبه الوطنى وحكوماته المتعاقبة على سبيل المثال. وبداخل فئة الكتاب من الصحفيين يبدو غضب وهجوم أبناء الحزب الحاكم وأصدقائه أكثر على المتخصصين منهم فى أقسام الأخبار بكل أنواعها، حيث يرون أنهم «يتصيدون» منها ما يدين أداء حزبهم الوطنى وحكوماته المتعاقبة فقط دون أن يذكروا أيا من «محاسنهم» ودون أيضاً أن يقدموا ما يرون أنه بدائل محددة لما ينقلونه من سلبيات. والحقيقة أن هذا الاتهام والهجوم على صحفيى الأخبار من جانب أبناء الحزب الحاكم وأصدقائه يعد فى حد ذاته «خبراً« منفرد»اً وسابقة لا نظير لها فى أى مكان بالعالم، حيث تتوقف وظيفة هؤلاء الصحفيين فى جميع بلدانه ومجتمعاته عند بناء شبكة مصادرهم والتحقق من دقة وصدق أخبارهم وصياغتها بطريقة مهنية فى وسائل الإعلام التى يعملون بها دون أن تمتد إلى الحلول محل من يرتكبون الأخطاء أو السلبيات أو الجرائم فى معالجتها وآثارها السلبية. وبالرغم من كل التمييزات السابقة بين وظائف مختلف الفئات من الكتاب والصحفيين والمحللين، فإن الحقيقة الأبرز التى تبقى حاضرة أمام أى تحليل موضوعى لما يجرى فى مصر فى ظل حكم الحزب الوطنى الديمقراطى خلال العقود الثلاثة السابقة، هى أن كثيراً من هؤلاء قد قدموا آلاف المقترحات والبدائل لما ينتقدونه من سياسات وإجراءات وقرارات وأن الحزب وحكوماته لم يأخذوا بأى منها فى أى وقت من الأوقات. ويبدو واضحاً أن إهمال كل ما يقدمه من هم خارج دائرة الحزب وحكوماته وأصدقائه من مقترحات وبدائل والتعامل معها باعتبارها صادرة عن »أعداء« هو عادة ملازمة للنظام السياسى الحالى فى مصر منذ أيامه الأولى عام 1981. فقد بدأ هذا النظام عهده بشعارات بدت مبشرة حول ضرورة مشاركة قطاعات النخبة المصرية كافة فى صياغة مستقبل بلدهم الاقتصادى والسياسى، وهو ما توج بعقد المؤتمر الاقتصادى فى فبراير 1982، والذى تحمست الأطياف السياسية المصرية كافة للمشاركة فيه وقدمت إليه بالفعل مساهمات محددة، إلا أن شيئاً منها لم يتم تبنيه، وانطلق الحزب الحاكم بمفرده طوال العقود الثلاثة التالية لكى يدير اقتصاد البلاد بل كل شؤونها بالطريقة التى ترضيه وتحقق مصالحه وتصوراته دون أن يلقى بالاً إلى كل ما اجتهد الآخرون من خارجه فى صياغته من مقترحات وبدائل. كذلك كان واضحاً فى نفس العام المذكور أن نية الحزب وحكوماته كانت مبيتة على تجاهل كل ما يقترحه الآخرون من بدائل ومقترحات لعلاج أزمات البلاد ومشكلاتها السياسية والانفراد بإدارتها، حيث إن اقتراحاً آخر تم إعلانه حينها بعقد مؤتمر سياسى على غرار المؤتمر الاقتصادى، وهو الأمر الذى أخذته القوى السياسية المعارضة والمستقلة بكثير من الجدة وأعدت له تصوراتها المكتوبة المحددة، إلا أن المؤتمر لم يعقد قط حتى اليوم. وحتى يكون الأمر أكثر معاصرة وتحديداً، فالكاتب مضطر إلى الاستدلال بحالته هو شخصياً كنموذج متواضع لما يقدمه الكتاب والمحللون والصحفيون غير المحسوبين على الحزب الوطنى وحكوماته من مقترحات وبدائل محددة لم يحدث أبداً أن تم مجرد الالتفات إليها من صناع السياسات فى بلادنا. فبحكم التخصص فى دراسة النظام السياسى المصرى دون غيره من جوانب الدولة، ركزت مقالات الكاتب فى هذا المكان خلال السنوات الثلاث السابقة على القضايا والموضوعات الخاصة والمرتبطة بهذا النظام. ومن بين نحو 160 مقالاً نشرها الكاتب من بينها حوالى 140 حول النظام السياسى المصرى بكل أبعاده، كان هناك نحو 40 منها تضمنت مقترحات وبدائل محددة وفى بعض المرات شديدة التفصيل لإصلاح بعض من جوانب العوار التى يراها وقبله ومعه كثيرون فى مصر فى البنية التشريعية والمؤسسية وأداء النظام السياسى. وقد طالت تلك المقترحات موضوعات عديدة من انتخاب رئيس الجمهورية ومدة ولايته إلى التعديلات الدستورية إلى النظام الانتخابى بكل مكوناته إلى السلطة التشريعية والقضائية، وعشرات غيرها من قضايا وموضوعات النظام السياسى المصرى. ويشهد الكاتب ويشهد قراءه الكرام أنه لم يحدث ولو مرة واحدة أن التفت الحزب الحاكم وحكومته الرشيدة مجرد التفاتة إلى أى من تلك المقترحات والبدائل، وظل بعد كل ذلك أبناؤه وأصدقاؤه من المنتشرين فى وسائل الإعلام »ينعون« على الكتاب والمحللين والصحفيين أنهم ينتقدون فقط دون أن يقدموا البدائل!!! قبل أن يعلق أحد من القراء الكرام بأن ما ساقته السطور السابقة يعبر عن »سذاجة« مفرطة من الكاتب، نبادر فنقول: إن الحزب والنظام الذى لا يستمع للنواب المعارضين والمستقلين فى ساحة البرلمان ولا يستمع للشعب نفسه ولا يشعر بما يريد ويرفض فى ساحة المجتمع الأوسع، لا يمكن أن يستمع بالقطع أو يقيم وزناً لكتابات إعلامية أو بحثية أياً كان كاتبوها أو أياً كانت جدواها وجدتها.