من الملاحظ أنه فى الفترة الأخيرة تفشى سرطان الواسطة فى المجتمع المصرى، حتى كاد يصيب جميع أجهزته بالعطب، ويهدد ببتر كبرياء شرفائه، وأحلام مخلصيه فى أى تطوير أو تنمية، وبالتالى يهمش القانون أو يفعل وفق مقتضيات المصالح وحسابات المستفيدين، وما يترتب على هذه الحسابات من تجاوز البعض حقوق البعض، دون أى مبررات منطقية أو مقبولة. وسأعرض بإيجاز لواحدة من هذه التجاوزات، ففى يوليو 2008 أعلنت جامعة كفر الشيخ، عن حاجتها لشغل وظائف أعضاء هيئة تدريس، ببعض كلياتها، ومنها كلية التربية الرياضية، وتقدم - بناء على الإعلان - مجموعة من الشباب الطامح فى فرصة حقيقية للتدريس بالجامعة، لكن لمن تتاح الفرص؟ جاءت الإجابة على لسان الدكتور حمادة محمد طلبة، أحد المتقدمين لهذا الإعلان، والمتضررين من نتيجته، التى جاءت - حسب وصفه - تجسيدًا لثقافة الواسطة، وليست تعبيرًا عن الكفاءة، يقول دكتور حمادة: (ما إن قرأت الإعلان فى الصحف الرسمية، حتى هرولت لتجهيز الأوراق والشهادات والذى منه، لاستيفاء ما يتطلبه الإعلان قانونيًا ورسميًا، فقد تكون هذه فرصتى الأخيرة بعد سنوات كثيرة من حصولى على الدكتوراه، حالت دون شغلى منصب مدرس بالجامعة، ونجحت فى وضعى على أعتاب الأربعين من عمرى، وبين اليأس والرجاء، وفى الموعد المحدد، توجهت لمقابلة اللجنة المخولة باختيار مدرس التربية الرياضية المناسب لقسم الإدارة الرياضية بالكلية، وجاءت المفاجأة، بصدور قرار من مجلس الكلية بتعيين نادى محمد أحمد فى الوظيفة المُعلن عنها، رغم أننى أعلى منه تقديرًا، سواء فى التقدير العام أو فى مادة التخصص، ورغم أننى منحت رسالتى الماجستير والدكتوراه فى التخصص المطلوب، وبالسؤال عن السبب الحقيقى لاستبعادى، تبين لى أن الواسطة والمعرفة كانتا المعيار، فأحد أعضاء اللجنة المؤتمنة على اختيار الشخص المناسب كان مشرفًا على المحظوظ، أثناء دراسته العليا، وكان يعرفه حق المعرفة، وعندما يصبح القاضى الخصم والحكم فلا شفافية ولا نزاهة وألف رحمة ونور على العدل وموازينه، ولتشريع الظلم وتبريره، تم ابتكار طريقة جديدة للتقييم، أظنها من اختراع جامعة كفر الشيخ وحدها، وهى الحكم على المتقدم واختياره بناء على درجات تعطيها اللجنة لكل رسالة علمية، بحسب قربها أو بعدها عن التخصص، وبحسب ما تزنه من مادة علمية، وهى مخالفة صريحة للقانون، فهذه الرسائل قد سبق تقييمها من لجان معتمدة من مجلس الجامعة، ولا يصح أن يعاد تقييمها من خلال لجنة لم يطلب منها ذلك، أحسست بالغبن طبعًا وتوجهت لنائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا فأفزعه ما سمع، ووعدنى بحل اللجنة إذا ثبت له ذلك، وبعد يومين ذهبت إليه مرة أخرى للاطمئنان على الخطوات التى ستعيد حقى لى، فإذا بسيادته يستقبلنى استقبالاً فاترًا، وإذا بثورته على اللجنة تتحول لثورة ضدى، وقال لى: إنها لجنة متخصصة، وليس بمقدورى التدخل فى شؤونها، أقسمت أن أرفع الأمر لرب البيت رئيس جامعة كفر الشيخ، لكن طاقمًا من العاملين المتخصصين فى حرس مكتب سيادته حال بينى وبين مقابلته، فاضطررت لانتظار خروجه وقابلته فعلاً، وفوجئت بأنه يعلم كل شىء عن الموضوع، وقال موبخًا نفسه وإياى: أنا غلطان وجبت لنفسى وجع الدماغ علشان نزلت الإعلان ده). وكأن حصول حمادة أو غيره على الوظيفة منة من سيادته، ودفاعهم عنها جلب له وجع الدماغ، وكأنه ليس هناك قانون 49 لعام 1972 يحدد شروطًا للتعيين ومقاييس للأولويات، ولا أعرف إذا لم تكن مهمة رئيس الجامعة هى الانتصار للمظلومين وإعادة الحق لأصحابه، فما مهمته إذن؟ الحكاية ليست حكاية حمادة، ففى كل بيت وكل زقاق وكل شارع حمادة، وما أكثر المتميزين فى زمان لا يعترف إلا بلغة المصالح، ولا يؤمن إلا بثقافة الواسطة! لذلك أرفع الأمر لوزير التعليم العالى وأتمنى أن يكون له موقف من هذه الإعلانات والآليات المفتعلة، التى يتم ابتكارها لاختلاس حقوق الناس، وسيادته يعلم تمامًا أن الواسطة بوابة الفشل والفاشلين، وتركها تتغلغل حتى فى أهم وأجل مؤسساتنا (الجامعة) يعنى الإقرار بالخطأ، وترك مصر للغرق فى متاهات الفوضى، والموافقة الضمنية على تدمير الشباب المبدع المتميز الآمل فى غد أفضل، والحكم عليه بأن يكون شبابًا مقهورًا مطحونًا مظلومًا مع مرتبة الشرف الأولى. [email protected]