ويزين المصريون مدخل منزل العائد من الحج قبل نحو ثلاثة أيام من وصوله، فيلوّنون الباب والحجارة باللونين الأحمر والأبيض، وإن كانت الحجارة من الآجر، فتزين أحيانًا الجمال باللون الأخضر أو الأسود أو الأحمر أو غيرها من الألوان بطريقة بدائية، وقد يوجه الحاج كتابًا مسبقًا إلى ذويه يطلب منهم إعداد مثل هذه الترتيبات، ويقيم الحاج فى الليلة التالية لوصوله حفلة لأصدقائه تعرف ب(حفلة الطلعة)، ويتدفق الضيوف عليه مهنئين، مرحبين بعودته، ويقولون له: (ادعُ ليغفر لى)، ويبقى فى منزله عادة أسبوعًا كاملاً بعد عودته، ويقيم فى اليوم السابع حفلة أخرى لأصحابه تعرف ب(حفلة السبوع)، وتستمر هذه الحفلة طوال النهار والليلة التالية، وتنتهى بختمة أو ذكر فى المساء! وجداريات الحج أيضا هى واحدة من السمات المصرية القديمة المرتبطة بهذه الفريضة العظيمة، وتتميز جداريات الحج فى مصر بالخصوصية، فهذه الجداريات تسجل لحظات مهمة من حياة الإنسان، تقاليد تضرب بجذورها إلى عصور سحيقة، حيث تزخر جدران المعابد والمقابر بمدونات ورسومات ونقوش رائعة تسجل جوانب من تاريخ مصر القديمة، من انتصارات حربية واحتفالات قومية، وتفاصيل من الحياة اليومية. المستشرق البريطانى الأشهر (إدوارد لين) الذى اكتسب معرفة أكبر بالمصريين ونظرة أعمق وأشمل عن تقاليدهم المتوارثة وتفاصيل حياتهم اليومية، خلال عودته الثانية إلى القاهرة فى الفترة 1833-1835م وتزيا بالزى الشرقى، واختلط بالمسلمين فى المساجد والأسواق والحارات، وبعد أن تحدث عن المحمل ومراسم استقباله فيما كان يعرف ب (طلعة المحمل) والتى تخرج فيها كسوة الكعبة المشرفة من أفخر الأقمشة المرصعة بخيوط الذهب من الأراضى المصرية فى كل عام وعلى نفقة الدولة المصرية وبأيدى الحائكين المصريين المهرة (وظل هذا التقليد معمولا به إلى أوائل الأربعينيات بعد أن تولت المملكة العربية السعودية رعاية الحرمين الشريفين بكل تفاصيلهما الصغيرة والكبيرة). قال لين: فهذه الجداريات الجميلة يرسمها فنانون شعبيون فى مهارة فطرية إبداعية، وربما يتطوع بالرسم والزخرفة أحد أقارب الحاج أو من أصدقائه. وبعض هؤلاء الفنانين يقومون بهذا الفن الجميل متطوعين، ويبدأون عملهم بدهان واجهة البيت أو الحائط الذى سيرسمون عليه ثم ينتظرون حتى يجف الدهان، وربما يعد بعضهم رسمًا تحضيريًا قبل أن يبدأ فى رسم الواجهة، وعادة ما يستخدمون سلمًا للصعود عليه لرسم أعلى اللوحة على واجهة البيت، وربما تختلف عناصر الرسم، ولكنها كلها تعبر عن موضوع ورحلة الحج، سواء فى رسم وسائل الانتقال أو زيارة الكعبة ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فى المدينةالمنورة. بُعد هؤلاء الفنانين الفطريين عن الأساليب الفنية سواء من حيث تحديد المنظور أو إخضاع عملهم لقواعد التعبير الفنى الكلاسيكى جعل عملهم هذا يقدم رؤية فنية خاصة ذات مساحات ملونة بألوان طبيعية خام، بغير تعقيدات فى تركيباتها وكذلك تصوير الأشكال الإنسانية والطبيعية بشكل تعبيرى وكاريكاتورى أحيانًا، وكلها فى النهاية تعطى شكلاً خاصًا له دلالته الفنية المميزة لهذه الرسومات الجدارية. ونفر من هؤلاء الفنانين يميل أحيانًا إلى الجانب الخيالى فى الرحلة، ما يضفى على التعبير الفنى الشعبى طابعا فطريًا جميلاً، كما تتضمن جداريات الحج عناصر من تجربة الرحلة، من وسائل الانتقال الحديثة والتقليدية مثل الطائرة والسفينة، ومازالت بعض الجداريات تتضمن رسم الجمل على الرغم من أن رحلات الحج حاليًا لا تستخدم الجمال كوسيلة للانتقال، عجبا الجمل يحتل قسما من خيال المصريين الخصب، الجمل من الرموز المفضلة لمرشحى الحزب الوطنى فى الانتخابات، الجمل بما حمل!.