«ثمة أنواع كثيرة من السوسِ السياسى خصوصًا، ينخر فى حياتنا العامة، فيقوض أسسها، فإذا هى كالجذوع الخاوية من شدةِ التهافت، وانظر مليًّا إلى سوس الاستبداد والنرجسية الزعامية، والفساد والشللية، والطائفية والعائلية، ومراكز القوى وجماعات المصالح، وقوافل النفاق والمنافقين، التى تلتف حول الحاكم فتأسره وتخنقه حتى لا يرى الحقيقة». تلك كانت بعضاً من كلماته التى حفل بها أحد مقالاته، التى طالما نادى فيها بالحرية والديمقراطية، والقضاء على كل ألوان الفساد، والتمييز، وعدم المساواة، وهى أيضاً بعض من كلماته التى تركها بعد رحيله لتذكرنا بقلم امتلك الفكر، والرؤية، والإيمان بما يطرحه من قضايا، ورغم سنوات العمر التى غالباً ما يشير مرورها إلى قرب الرحيل، فإن رحيل صلاح الدين حافظ عن عالمنا مساء أمس الأول، مثل خبراً حزينا لمن عرفه ولمن لم يعرفه فى عالم الصحافة، فهو الذى اشتهر إلى جوار موهبته المتقدة، بحسن الخلق ودماثته. كان الرحيل عام 2008، بينما كان المولد عام 1938، وهو ما يعنى أن سنواته السبعين فى الحياة، كانت مليئة بالمشاهد والمواقف والأحداث، التى شهدها فى حياته المهنية، وبدأها عقب التخرج فى قسم الصحافة بكلية الآداب، فى عام 1960 من خلال العمل بمؤسسة الأخبار، ثم مؤسسة التعاون. وفى العام 1965 كان موعده فى الحياة مع العمل فى جريدة الأهرام، ليظل بها حتى آخر لحظات حياته. وكما بدأ الخطوات محرراً صحفياً، كانت طموحاته ترسم له صورته رئيساً للتحرير، ولما لا، وهو مالك الموهبة المهنية فى عالم الصحافة، التى تعد أساس الترقى فى عالم الصحافة بمعايير عصره، ولكن حلم حافظ لم يتحقق بعد قرار تأميم الصحافة فى الستينيات، الذى أتبعه تغير مقاييس اختيار رؤساء التحرير، لتغيب الكفاءة والمهارة، من ملامح ذلك الاختيار، ويحل محلها حجم الثقة، والقدرة على موائمة الأمور، ومدى الولاء للنظام ورموزه، وهى أمور لم تتوافر فى حافظ ورغم ذلك لم يندم، كما أكد فى حوار تليفزيونى له. ورغم ضياع حلم رئيس التحرير من صلاح الدين حافظ، فإن مكانته كصحفى، وخلقه كإنسان، أهلاه أن يشغل منصب سكرتير عام نقابة الصحفيين فى مصر عام 1968 وحتى عام 1971، ثم أُُعيد اختياره لذات المنصب فى عام 1973 وحتى عام 1977. ولم يقتصر التقدير والثقة فيه وفى قدراته على المستوى المحلى، حيث تم انتخابه كأمين عام لاتحاد الصحفيين العرب عام 1976 لمدة عام واحد، وهو ذات المنصب الذى حظى به مرة أخرى من عام 1996 وظل به حتى وفاته، إلى جانب عمله مديراً لتحرير صحيفة الأهرام، ومشرفًا على الأهرام بطبعته العربية، ورئاسته لتحرير مجلة دراسات إعلامية. كان حافظ من أكثر مروجى شعارات الحرية، والداعين لها دون تنظير أو ترديد لعبارات لا معنى لها، ومن أشهر آرائه فى تلك الجزئية قوله: «لن يحدث إصلاح سياسى جوهرى فى مصر، دون ضمان حرية الصحافة، خصوصا حقوق المشاركة وحرية التصويت والترشيح فى انتخابات نظيفة، وحرية تداول السلطة فى كل المستويات، وحرية تدفق المعلومات وانسيابها، وتلاحق الآراء المختلفة، وقبول الرأى المخالف واحترامه، باعتباره قوة تغيير وتطوير وتنوير، نحو الأفضل لتشكيل ثقافة عامة تؤمن بالديمقراطية». وكما كان الإيمان بالحرية، كان الإيمان بالشباب وقدرته على إحداث التغيير. وكما كان فارساً فى عالم الكلمة، مؤمناً بدور المثقفين وأصحاب الكلمة فى تغيير الحياة، كان رجلاً فى أحزانه التى داهمته بعد علمه بإصابته بمرض السرطان القاتل منذ عدة سنوات، فواصل عمله ومعاركه فى الحياة، وعلاجه فى ذات الوقت، رافضاً الاستكانة للمرض، أو الإذعان له، ثم كانت الضربة القاصمة له حين تلقى خبر وفاة نجله منذ عدة أشهر، ليسير فى جنازته رافضاً الإفصاح عن أحزانه أو البوح بها، لكن الجسد لم يستطع مواصلة الصمود والمقاومة بعد رحيل الابن، فتراكمت عليه الأحزان التى لم تتركه حتى جاء موعد الرحيل، فلباه فى هدوء كما عاش.