وصلنى على الإيميل عدد نادر من جريدة «أخبار اليوم» صادر فى 3 يناير 1948، وأهم ما فى هذا العدد حوار مع النصاب الذى باع التروماى للقروى الساذج بعد خروجه من السجن، القصة مدهشة، وصورة النصاب لا تشير إلى مواهبه الفذة فى النصب والدجل والتمثيل على خلق الله، بل تستطيع أن تقول عنه بكل راحة ضمير إنه موظف محترم أو باشكاتب شريف!، أهدى هذه القصة التى عرفت تفاصيلها لأول مرة إلى حكومتنا الرشيدة التى باعت لنا التروماى! هذا النصاب الذى يستحق جائزة نوبل فى النصب اسمه رمضان أبوزيد، وقد باع الترام وعمره لا يتجاوز خمسة وعشرين عاماً، ويعتبر فى حواره مع «أخبار اليوم» أن بيع الترام هو أروع عمل فنى قام به!، والبداية سيجارة تعارف على محطة ترام 30 بشارع قصر العينى، عرف رمضان من خلال حواره مع الضحية «حفظ الله سليمان» أنه يبحث عن عمل فى القاهرة، لأن قريته ليس فيها مورد رزق، وأبدى القروى الساذج دهشته من ازدحام الترام فبزغت فى ذهن رمضان الفكرة وسأله: مادام عاجبك قوى كده ما تشتريه! اتجه حفظ الله مع رمضان إلى كتابة العقد الوهمى الذى أصر فيه رمضان على مبلغ مائتى جنيه للتروماى، وعندما أخبره حفظ الله بوجود ثمانين جنيهاً فقط فى جيبه، طلب منه كتابة كمبيالة بمبلغ المائة وعشرين جنيهاً المتبقية، ثم اتجها إلى التروماى، صعد حفظ الله منفرج الأسارير وأنصت باهتمام إلى نصائح النصاب رمضان الذى شدد عليه ألا يترك مليماً من حساب التروماى فى نهاية الخط، ثم اتجه إلى الكمسارى وأوصاه ب«حفظ الله» خيراً، لأنه لا يعرف شيئاً فى القاهرة ليهتم به وينزله فى آخر الخط، وطبعاً عند نهاية الخط وقعت الواقعة وانكشف الملعوب، وكان الحل فى قسم البوليس والعقاب سنتين ونصف السنة لرمضان عبقرى النصب المصرى، وكتب الخلود للقصة وللتروماى ولرمضان كأفضل وأذكى نصاب ول«حفظ الله» كأسذج قروى شهدته المحروسة. لكن يظل السؤال: هل «حفظ الله» هو الوحيد الذى اشترى التروماى؟، وهل رمضان هو الوحيد الذى باعه؟، أم أننا جميعاً ركبنا التروماى الوهمى؟، هل بيع التروماى صار جماعياً، اشتراه الشعب من الكمسارى نفسه؟!