لم أكن راغبا فى الحديث حول موضوع التوريث لعدة أسباب من أهمها أن أصحاب المشروع كذبوه، ومن يعارضونه لا يوجد لديهم دليل عليه حتى الآن، بالإضافة إلى أنه غير ممكن الحدوث فى السياق الذى يرسمونه، بعد أن أكد الأمين العام للحزب الوطنى صفوت الشريف فى تصريحات نشرت 19 أكتوبر أن مؤتمره القادم لن يشهد أى انتخابات أو تغيرات فى المواقع القيادية، وأن الحزب يتمسك بالرئيس مبارك زعيما وحاكما قويا. دعونا نتذكر فقط أن على بونجو الذى خلف والده فى رئاسة الجابون كان وزيرا للخارجية والتعاون منذ عام 1989، ثم عضوا فى البرلمان 1996، فوزيرا للدفاع منذ عام 1999، وفضلا عن موقعه كنائب لرئيس للحزب الحاكم عام 2008، كما أن شقيقته تشغل منصب وزيرة الخارجية وزوجها يشغل منصب وزير المالية!، أما بشار الأسد فقد التحق بالقوات المسلحة عام 1994، وتدرج من رتبة الملازم أول حتى وصل إلى رتبة الفريق فى أقل من ست سنوات، بالإضافة إلى حصوله على مباركة الطائفة العلوية التى تحكم منفردة منذ أكثر من أربعين عاما، بعد طرد عمه رفعت الأسد إثر صراع داخلى على السلطة. ولا يمكن مقارنة وضع جمال مبارك فى مصر بوضع على بونجو أو بشار الأسد، وبالتالى فإن الحديث عن وصوله إلى مقعد الرئاسة هو أمر فى تقديرى مستحيل عمليا، بصرف النظر عن الرفض الشعبى له، وجل ما أتصور أن شخصاً مثله يطمع فيه هو منصب رئيس الوزراء، وهو منصب قد يحصل عليه فى غير عهد الرئيس مبارك وفى ظروف محددة، إن استطاع إليه سبيلا. من هنا يبدو أن ما يقوم به الدكتور أيمن نور ليس فى حقيقته معارضة لمشروع التوريث بالدم بدلا من التوريث بالاختيار بقدر ما هو محاولة للبحث عن دور تحت الأضواء التى يرى أنها انحصرت عنه عقب إخراجه من السجن محروما- بنص القانون- من حقوقه السياسية، ثم انفصال زوجته عنه وهى التى شكلت بنضالها جزءاً مهماً من صورته الإعلامية. ويؤكد ذلك الاستخلاص أموراً ثلاثة، الأول أن نور اختار لحملته شعار »ما يحكمشى« وهى كلمة كانت تستخدمها النسوة فى عشرينات القرن الماضى فى أزقة شارع الدعارة الشهير »كلوت بك« ونقلتها السيدة نادية الجندى إلينا فى فيلمها الأشهر »خمسة باب«، واستدعاها الدكتور أيمن نور لتكون عنونا لعودته إلى الحياة السياسية!، ولكن تبقى قيمة الشعار الكبرى من وجهة نظرة فى جاذبيته الإعلامية. الأمر الثانى يتمثل فى حرصه على أن يعمل وحده، فقد اختار أن يسلم دعوات المؤتمر قبل موعدها بأيام قلائل، دون أن يجعل للمدعوين رأيا فى برنامج المؤتمر أو الحاضرين فيه، أو حتى ما يمكن أن يسفر عنه من نتائج، وهو ما أدى إلى تحقيق النتيجة التى أرادها، مقاطعة جميع الفاعلين السياسيين أحزابا وأفرادا- إلا قليلا- ذلك المؤتمر، واحتل وحده صدر الحدث مستمتعا بحضور صحفيين وإعلاميين يفوق عددهم عدد من حضر المؤتمر بالأساس. الأمر الثالث أن حزب الغد ذاته ورئيسه المحامى إيهاب الخولى لم يشاركا فى عملية التنظيم ولا الدعوة ولا الترتيب، وإنما وجهت إليهم الدعوة شأنهم شأن الآخرين، ومن المعروف أن صراعا يدور داخل ذلك الحزب بين القائلين بمدنية الدولة وعلى رأسهم إيهاب الخولى ووائل نوارة وغيرهما من المناضلين الأوائل، وبين الراغبين فى استغلال كل الوسائل والأساليب للبقاء تحت الأضواء بما فى ذلك الرضوخ لشروط تيارات الإسلام السياسى والعمل تحت عباءتها وعلى رأسهم أيمن نور. إن تلك الخفة التى تناقش بها قضايا الوطن لا يمكن أن تستمر، كما أن هؤلاء الباحثين عن أضواء الشهرة ولو عبر بوابات مصلحة السجون عليهم أن يفسحوا الطريق قليلا لشخصيات تكون قادرة على تكوين رأى عام يساهم فى صياغة مستقبل مصر فى تلك المرحلة الانتقالية التى نمر بها. وإذا كان لى أن أقترح فإننى أدعو إلى تفعيل التحالف الرباعى بين أحزاب الوفد والجبهة والتجمع والناصرى- ربما انضمت إليه أحزاب أخرى- من أجل صياغة برنامج عمل للمستقبل. يأخذ فى اعتباره أمرين، الأول تقديم اقتراحات واضحة لضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة، اقتراحات قد يكون من بينها تسمية عدد من الشخصيات العامة القريبة منها لتكون أعضاء فى اللجنة العليا للانتخابات، أما الأمر الثانى فهو الاتفاق على شخص واحد يخوض معركة الرئاسة القادمة أمام مرشح الحزب الوطنى، شخص يكون لديه القدرة والرغبة فى العمل ضمن فريق محدد ومتجانس يحمل على عاتقه مسؤولية منافسة مرشح الحزب الحاكم وهزيمته، شخص يقيم علاقات سياسية على أسس من الصدق والموضوعية لا على أساس الأكاذيب والأوهام، شخص لا يستخدم التوريث كقميص عثمان للبقاء تحت الأضواء.