اشتعلت فجأة معركة استرداد الآثار المصرية فى الخارج، وتوعد الدكتور زاهى حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بقطع العلاقات الأثرية مع متحف اللوفر إذا لم يعد القطع الفرعونية لديه، وانتقلت نيران المعركة إلى لندن ومطالبة المتحف البريطانى بإعادة حجر رشيد باعتبار أن مكانه الطبيعى فى مصر. السر وراء معارك الآثار المشتعلة فسره البعض بأنه ردا على خسارة المرشح المصرى لمنصب رئاسة منظمة اليونسكو والثأر من المنظمة والدول التى خذلت الوزير، رغم نفى فاروق حسنى واستبعاده الربط بين المطالبة بالآثار وخسارته لمعركة اليونسكو، فهناك اختلاف بين المعركتين. وإذا لم يكن الأمر كما قال الوزير فما الداعى الآن لإطلاق حملة عودة الآثار المصرية المنهوبة والمسروقة منذ عقود طويلة وإعلان الحرب على المتاحف العالمية من موسكو وحتى الولاياتالمتحدةالأمريكية، مرورا ببرلين وباريس ولندن، هل لأن لدينا القدرة على استيعاب آلاف القطع الأثرية فى العالم فى حال استردادها، وأين هو المتحف أو المتاحف التى يمكن أن تحتوى هذه القطع بما يتناسب مع قيمتها التاريخية والإنسانية ووفق مواصفات المتاحف العالمية للحفاظ عليها وعرضها بصورة لائقة ومشرفة لمصر وحضارتها القديمة مثلما هى عليها الآن؟ من زار متحف الأرميتاج فى سان بطرسبرج الروسية أو متحف موسكو أو برلين أو اللوفر أو المتحف البريطانى وشاهد القاعات والمساحات المخصصة لعرض الآثار الفرعونية المصرية فى هذه المتاحف يتحسر على مخزن ومقبرة الآثار المصرية فى ميدان التحرير، المسمى زورا وبهتانا بالمتحف المصرى، والذى لا يمكن بأى حال من الأحوال تسميته بالمتحف اذا قارناه بالمتاحف العالمية رغم قلة عدد القطع الأثرية الفرعونية بها. فى متحف الأرميتاج - وهو القصر الشتوى للقيصر نيكولاى الثانى قبل قيام الثورة البلشفية 1917 - تعرض 10 قطع أثرية فرعونية فقط على مساحة نصف طابق من المتحف القصر، وبأسلوب بديع وفى قاعة مجهزة بأحدث الوسائل العلمية للمتاحف، والحال نفسه فى متحف بوشكين فى موسكو، واللوفر فى باريس، وبرلين فى ألمانيا، وتورونتو والمتروبوليتان فى نيويورك وغيرها. وباعتراف وزير الثقافة نفسه فى أحد حواراته الصحفية فإنه من الأفضل أن تبقى تلك الآثار فى الخارج لأن هناك خطراً عليها لو كانت فى المخزن أو المتحف المصرى بوسط القاهرة، الذى تم بناؤه عام 1906. الوزير محق تماما، فالمتحف القديم يضم 136 ألف قطعة ومساحته أقل من نصف الطابق الذى تعرض فيه القطع المصرية فى متحف الأرميتاج، وهو المتحف الوحيد فى بلد يحتوى على نحو 75 بالمائة من آثار العالم ولايقارن أبدا بالمتاحف العالمية. آثارنا بالخارج هى آثار مصرية وعلينا أن نفتخر بوجودها فى أرقى وأكبر المتاحف العالمية وبصورة لائقة وكريمة، ولن يقول عنها الناس إنها آثار بريطانية أو فرنسية أو أمريكية، فالأفضل تركها بالخارج لتكون شاهداً حقيقياً على عظمة وتاريخ وأخلاق شعب تضرب حضارته بجذورها فى أعماق التاريخ، وأنتجت للإنسانية أروع الإنجازات فى العمارة والبناء والطب، ثم توقف الإنجاز بعد ذلك وتصدرت صور التخلف والإرهاب والهمجية. وسواء أشعلنا معركة آثارنا فى الخارج أم لا، فلن نستطيع استرداد معظمها بحكم المعاهدات الدولية مع اليونسكو، فالآثار التى خرجت بشكل غير شرعى بعد عام 72 يجب عودتها إلى موطنها الأصلى، أما ما قبل ذلك فلا يجب الحديث عنه. قبل أن نتحدث عن عودة الآثار لابد أن تتوافر المتاحف اللائقة، وقبل ذلك ردع اللصوص و«حرامية» الآثار الكبار والصغار..!