بسم الله ما شاء الله، ما هذا العقل؟ وهذه الحكمة؟ وهذه النظرة البعيدة التى ستعيد كل الأمور إلى نصابها، وأين كان هذا التفكير الإستراتيجى مختفياً خلال السنوات الستين السابقة؟ هكذا ستتحرر فلسطين ويعود اللاجئون ويخرج المسجونون وتنتهى دولة إسرائيل مادامت النساء فى قطاع غزّة سيلتزمن الأدب ويراعين الأخلاق ويمتنعن عن ركوب الموتوسيكلات خلف الرجال حتى ولو كان هؤلاء الرجال أزواجاً أو آباء أو إخوة، النساء الآن فى غزّة وبحكم القواعد الجديدة التى أصدرها الأشاوس هناك ممنوع عليهن النظر إلى الدراجات النارية أو التفكير فى إمكانية استخدامها كوسيلة مواصلات حتى ولو كان المشوار قصيراً، صحيح أن وسائل المواصلات العامة والخاصة متعثرة مع نقص البنزين، لكن فليركب الرجال وتسر النساء على أقدامهن، فهن أساساً لا يشعرن بالتعب أو الإرهاق كما يتصور الأشاوس، ولا يصح أساساً أن يخرجن من بيوتهن. ولنعد إلى القرار الجديد الحكيم الذى تم نشره من قبل وزارة الداخلية هناك على موقعها الإليكترونى على الإنترنت، والذى يقضى بأنه بناء على مقتضيات المصلحة العامة تعلن وزارة الداخلية والأمن الوطنى عن منع سائقى الدراجات النارية من حمل النساء خلفهم، حفاظاً على سلامة المواطنين واستقرار العادات والتقاليد فى المجتمع الفلسطينى، ويضيف الخبر الناطق باسم الداخلية أن هذا القرار يمنع ركوب المرأة سواء كانت زوجة أو ابنة أو أختاً الدراجة النارية، وقال إنه فى حال عدم الالتزام فسيتم توجيه اللوم فى البداية ثم سيتم فرض غرامة. فى غزّة، كما هو معروف، أزمة، فيما يتعلق بندرة وجود الوقود وارتفاع أسعاره، وكما فى مصر أو فى أى مكان آخر تضيق فيه ذات اليد عند فئات كثيرة وتعجز المواصلات العامة عن خدمة المواطنين يلجأ الناس إلى استخدام الدراجات النارية فهى الأسهل والأرخص، وكثيراً ما نجد حولنا هنا فى مصر وفى عز الزحمة وفى نهر الطريق موتوسيكلاً يحمل تقريباً أسرة بأكملها زوجة وطفلاً واثنين وثلاثة وأباً يقود المسيرة الثقيلة، والكل يمسك بتلابيب الآخر خوفاً من الانزلاق، و«حاول تنسى فكرة الخوذة التى فرضها قانون المرور الجديد، الذى أصبح من زمان حبراً على ورق». ويسير الموتوسيكل هنا فى أمان الله دون إزعاج من السلطات أو اعتراض حتى تصل الأسرة الطائرة إلى مبتغاها، وبالقطع هذا المنظر يندر أن تجده فى أى مكان آخر غير مصر، بالكثير هناك فى غزّة أو غيرها يحمل الموتوسيكل غير سائقه فرداً آخر أو فردين، لكن السلطات هناك بعدما جرّبت فكرة إجبار جميع السيدات والفتيات على ارتداء الحجاب ونجحت الفكرة وحققت نتائج مدهشة فكرت فى تجربة جديدة تخص السيدات والفتيات أيضاً، حيث إنهن المستهدفات دائماً بحكم أنهن المستضعفات فى الأرض، ووجدت أن أخلاق الشارع الغزّاوى تتعرض للانهيار يومياً، وأن العادات والتقاليد هناك فى خطر من جراء ركوب النساء مع الرجال على الموتوسيكلات حتى ولو كان الرجال محارم وحتى لو كان الغرض شريفاً وهو توفير ثمن الوقود وقطع المسافات البعيدة. ترك أشاوس غزّة كل شىء، تركوا القضية كلها والمشاورات والاجتماعات والمصالحات، وتفرغوا للعراك والصياح مع الأشاوس الآخرين فى الضفة، تنازعوا وتحاربوا وتقاتلوا وتوجه سلاح كل منهم إلى صدر أخيه حتى لم نعد نعرف منْ منهم على حق ومن منهم على باطل، نعرف فقط أن إسرائيل تهنأ بخلافهم وتسعد وتزغرد وتواصل بأمان تعميق الحفر تحت المسجد الأقصى وتقنين وجود المستوطنات، وتهويد القدس، ومضاعفة أعداد السجناء الفلسطينيين رجالاً ونساء وأطفالاً، وتشير إلى العالم أن ينظر إلى من لا يتفقون فيما بينهم فكيف يتفقون معها! لا نرى إلا خطباً عنترية واهتماماً شديداً بالأمور الهلامية مثل حكاية ركوب السيدات للموتوسيكلات، ويا له من عار آخر وشنار يلزم مواجهته حتى تعود الفضيلة إلى الشارع الغزاوى، وتعود الستات إلى البيوت وتعود فلسطين إلى أهلها. [email protected]