بينما اعتبرت إسرائيل قرار السلطة الفلسطينية سحب طلبها تبنى تقرير «جولدستون»، الذى أدان الدولة العبرية بارتكاب جرائم حرب فى قطاع غزة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، انتصاراً لحملتها الدبلوماسية المكثفة التى شنتها فى الأيام الماضية، على الساحة الدولية وتفهماً لادعائها بأن من شأن تبنى المجلس التقرير أن يسدد ضربة مميتة لعملية السلام، إلا أن أركان الدولة العبرية أعربت عن قلقها وتوقعاتها من ممارسة الإدارة الأمريكية ضغوطاً أكبر على الحكومة الإسرائيلية لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، ولم تستبعد هذه الأوساط أن تتكلل جولة الموفد الأمريكى الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل بالنجاح من خلال الإعلان رسمياً عن استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، ورأت الأوساط السياسية الإسرائيلية أن الولاياتالمتحدة تطالب الآن عملياً بأن تسدد إسرائيل «فاتورة إحباط» مشروع قرار بإحالة تقرير «جولدستون» إلى مجلس الأمن الذى أجل مناقشته. وفى الوقت الذى أمر فيه الرئيس محمود عباس بتشكيل لجنة للتحقيق فى ملابسات تأجيل بحث تقرير جولدستون، إثر ردود الفعل الغاضبة التى تعم الشارع الفلسطينى واتهام السلطة الفلسطينية بالتواطؤ مع إسرائيل فى وأد التقرير، كشفت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية أن عباس شخصياً هو من أعطى التعليمات لرئيس الوفد الفلسطينى فى مجلس حقوق الإنسان إبراهيم خريشة بالعمل على تأجيل النظر فى التقرير، فيما قللت حركة حماس من قرار عباس تشكيل لجنة للتحقيق، واعتبرته محاولة للهروب من تحمل المسؤولية السياسية المباشرة عن طلب إرجاء التصويت بصفته رئيساً للسلطة الفلسطينية ورئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المسؤولة عن البعثات الدبلوماسية فى الخارج. وتأتى هذه التطورات الدراماتيكية فى وقت تسعى فيه مصر لإتمام اتفاق المصالحة الفلسطينية، الذى طال أمده، لإنهاء حالة الانقسام وتوحيد الجهود لمواجهة تحديات رفع الحصار ووقف الاستيطان وتهويد القدس وتقريرالمصير، وسط توقعات بتعاظم الدعوات الفلسطينية فى الداخل والخارج بتقديم الرئيس الفلسطينى ومساعديه للمحاكمة وعزلهم من مناصبهم لمسؤوليتهم عن الحيلولة دون التصويت على التقرير، فيما بات يعرف ب«تسونامى جولدستون». وعلى الرغم من نفى حماس أن تكون وضعت شروطاً جديدة لتوقيع اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطينى، على خلفية موقف السلطة من إرجاء التصويت على التقرير، فإن موقفها الأخير بمطالبة مصر بتأجيل التوقيع على الاتفاق يمثل ضربة قاضية لجهود المصالحة، رغم أن مصر تسعى بتحركات حثيثة لإنجاز هذا الاتفاق، وتعمل على دعوة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، وأعضاء لجنة المتابعة العربية التى شكلها مجلس جامعة الدول العربية وممثلى الرباعية الدولية على مستوى الوزراء أو من ينوب عنهم وتونى بلير ممثل اللجنة الرباعية الدولية وممثلى منظمات إقليمية ودولية وأطراف غير عربية لحضور حفل توقيع الاتفاق من رؤساء الفصائل الفلسطينية وكشهود على التوقيع الذى يتوقع إعلانه فى 26 أكتوبر الجارى. لكن المخاوف تتصاعد وتيرتها خاصة فى جو الاحتقان الذى يسود أرجاء الوطن الفلسطينى من إتمام اتفاق المصالحة، وفى ضوء تصاعد النقمة على عباس إلى الدرجة التى وصلت فيها للمطالبة بسحب الجنسية عنه، والمتورطين معه، بل محاكمتهم، بالإضافة إلى تصريحات صادرة عن حماس فى دمشق طالبت فيها بالبحث عن موعد جديد لتحقيق اتفاق المصالحة فى ضوء موقف السلطة من التقرير، ومساندة سوريا لهم بإرجاء الزيارة التى كان مقرراً أن يقوم بها عباس إلى سوريا احتجاجاً على طلب السلطة إرجاء التصويت على تقرير جولدستون معلنة استغرابها الكامل من موقف السلطة. ويبدو أن سعى عباس لاحتواء الموقف وتوضيحه من إرجاء مناقشة التقرير لم يلق آذاناً صاغية حتى الآن، ولم يقنع أحداً حتى حلفاءه الذين يساندونه بمن فيهم القوى والفصائل والمؤسسات الفلسطينية التى رفضت الموقف الرسمى للسلطة وطالبت هذه القوى بإجراء تحقيق فى كيفية اتخاذ القرار، الذى قالت إنه لم يعرض على أى منها لمناقشته قبل المصادقة عليه واعتبرته تفويتاً لفرصة قد لا تتكرر!!