الدكتور أشرف الفقى، طبيب مصرى يقيم فى واشنطن، ويعمل فى المركز القومى للأورام هناك، ويتابع أحوال بلده بكثير من الحزن وقليل من الأمل، ويشعر بوجع حقيقى فى قلبه حين يقارن بين القضايا التى ننشغل بها هنا، وبين القضايا التى تشغل العالم من حولنا، ولا أريد أن أقول «العالم هناك»، لأنه فى عام 2009، لم يعد من الممكن أن نتحدث عن هنا، ثم فى المقابل عن هناك، فقد زالت الحواجز والحدود إلى درجة لم يكن العقل من قبل يتصورها، وإلى درجة أن الكلام عن خصوصية شعب دون شعب آخر، فى هذه الأيام، أصبح نوعاً من السخافة! وقد تابع الدكتور أشرف ما كتبته طويلاً عن الضرائب ثم عن التأمين الصحى عندنا، وعلاقته بمشروع التأمين الصحى الذى يتبناه «أوباما» فى بلاده، حالياً، بعد أن كان قد وضعه فى صدر برنامجه الانتخابى منذ كان مرشحاً للرئاسة! وما يتمناه الدكتور الفقى، وأتمناه معه طبعاً، ألا يكون التأمين الصحى لدينا عنواناً كبيراً، لا ينطوى على مضمون حقيقى، وإذا كان مشروع قانون التأمين لايزال قيد الإعداد ولايزال يتأهب لدخول البرلمان، فالأمل - كما فهمت فى اتصال منه - ألا يأتى يوم فيما بعد، نكتشف فيه أن التأمين الصحى، من حيث مردوده على الناس، يتساوى تماماً مع مردود التعليم المجانى الآن على كل شاب متخرج، لا لشىء إلا لأننا كنا قد قررنا مبكراً إتاحة التعليم للجميع وبالمجان، دون أن نتوقف دقيقة واحدة ونسأل أنفسنا هذا السؤال: إذا لم يكن هناك أى شىء بالمجان فى هذه الحياة، وإذا كان التعليم لابد له من تكلفة، فمن الذى سوف يدفعها؟! موضوع التعليم طويل، ولن يجد حلاً لا اليوم ولا غداً، ولكن بما أننا أمام مشروع قانون للتأمين الصحى، فيجب أن نتدارك الأمر منذ البداية، وأن نجعل «الوقاية» فى هذا المشروع متقدمة على العلاج، حتى يمكن خفض تكلفته بنسبة 30 أو 40٪ على الأقل، ومعنى تقديم الوقاية على العلاج، هو أن يكون متاحاً لكل مواطن فى مشروع القانون، حين يتحول إلى قانون، أن يذهب إلى الطبيب مرة واحدة، مجاناً، فى وقت مبكر من حياته، فالطفل - مثلاً - يجب أن يُتاح له فى مشروع القانون، أن يتلقى كشفاً مبكراً على أسنانه، فنتلافى بذلك مرضاً فى الأسنان نفسها فى وقت متأخر، يتكلف أضعاف أضعاف ما سوف يتكلفه فى سنواته الأولى، وكذلك بالنسبة للسيدات إزاء مرض سرطان الثدى على سبيل المثال، وفى سن يمكن فيها ملاحقة المرض ومحاصرته بأقل تكلفة، ثم يكون الحال نفسه مع الرجال بالنسبة للبروستاتا - مثلاً - وهكذا.. وهكذا! وبطبيعة الحال فإن غلبة نسبة الشباب فى البلد على من سواهم من الفئات العمرية المختلفة، سوف تساعد الحكومة كثيراً فى الأخذ بمثل هذه الفكرة الوجيهة، على عكس ما لو فكرت فيها الولاياتالمتحدة أو اليابان، أو غيرهما من البلاد التى يزيد لديها عدد الشيوخ وكبار السن، الذين هم بطبيعتهم أكثر تعرضاً للإصابة بالأمراض! الفكرة أعتبرها موجهة من واشنطن مباشرة إلى الدكتور يوسف بطرس، بوصفه الوزير الذى سوف ينفق على المشروع، ويعنيه جداً أن تنخفض التكاليف بأى وسيلة! خذها ثم ضعها فى مشروع القانون يا دكتور يوسف! ففيها خدمة جليلة لبلدك على مستويات كثيرة، أولها إجمالى حجم إنتاجها القومى!