كانت المحاولة الأولى فى اتجاه تأسيس مدرسة للفنون الجميلة فى مصر أسوة بأوروبا كانت إبان الحملة الفرنسية على مصر حيث أوحى علماء الحملة لنابليون بونابرت بالفكرة وكان غرض علماء الحملة من هذا أن يؤهلوا مجموعة من الفنانين القادرين على محاكاة فنون الفراعنة من نحت إلى رسم على الجدران إلى نقش أوراق البردى، غير أن هذه الفكرة لم يُكتب لها النجاح فى ذلك الوقت بسبب فشل الحملة وعودتها إلى بلادها. وفى عهد محمد على باشا لم تلق هذه الفكرة اهتماما يُذكر، ومع مزيد من الانفتاح المصرى على أوروبا وتبدى ثمار البعثات الدراسية انتقل إليها كثير من تأثيرات الثقافة الغربية فى الأدب والفن وبدأ بعض الأمراء والأغنياء المصريين يهتمون باقتناء اللوحات الزيتية وقد اقتنى لوحات هؤلاء وغيرهم محمد محمود خليل، وهو ثرى مصرى فرنسى الثقافة، أغرم هو وزوجته باقتناء الأعمال الفنية، وكان بيت السيد البكرى بشارع الخرنفش -وسط القاهرة- منزلا للمصورين الفرنسيين الذين استهوتهم الفنون الإسلامية من المنازل العربية الأثرية والمساجد والأضرحة والأسبلة والأسواق، ولما تكدست لوحات هؤلاء الفنانين فى مراسمهم، استطاع أحد المقربين من الخديو عباس حلمى الثانى إقناعه بعمل معرض لتلك اللوحات، فأقيم معرض فى أكتوبر 1891م بدار الأوبرا، وكان لنجاح هذا المعرض أصداء واسعة، وشجع نجاح هذا المعرض على بعث الفكرة من جديد حينما طرح الفرنسى جيوم لابلانى على الأمير يوسف كمال إنشاء مدرسة للفنون الجميلة، وكان الأمير يوسف كمال واحدا من أبناء الأسرة المالكة فى مصر، اشتهر بحبه للفنون الجميلة، وشغفه بشراء اللوحات الفنية وقد أبدى لابلانى تعجبه من عدم سعى المسؤولين فى مصر لإحياء الفنون والنهوض بتقاليدها الفنية التى كانت لها تقاليدها منذ القدم. أثار هذا الحديث اهتمام الأمير الذى ما لبث أن اقتنع به، وعزم على إخراج هذا المشروع على نفقته الخاصة، وعهد بإدارته إلى لابلانى، وفى مثل هذا اليوم (12 من مايو 1908م) فتحت المدرسة أبوابها لأول مرة وكانت تشترط تقديم مصروفات، بل كان الالتحاق بها مجانا، ودون تقيد بسن، وكانت المدرسة تتولى صرف الأدوات دون مقابل لطلاب أقسام التصوير والنحت والعمارة والزخرفة وممن كان فى طليعة من التحقوا بهذه المدرسة عند إنشائها وصار لهم شأن بعد ذلك: المثّال محمود مختار صاحب تمثالى نهضة مصر وسعد زغلول، والمصور محمد حسن والمصور يوسف كمال، وراغب عياد.