من كبرى المصائب التى ابتلى بها الإسلام هؤلاء المتشددون الذين يتحدثون باسمه! أراهم يريدون العودة بنا من جديد إلى عصر الجاهلية، ولكن باسم تعاليم السماء هذه المرة! وأراهن أن الدهشة قد طرأت على وجه حضرتك، وعلامات التعجب تراقصت أمام عينيك وأنت تسألنى عن العلاقة بين التشدد والتزمت والعصر الجاهلى الذى يطلق على فترة ما قبل الإسلام فى شبه الجزيرة العربية! والإجابة لن تكون بالدخول فى جدل بيزنطى، بل بذكر مثال محدد يتمثل فى المرأة، وحواء قبل مجىء إسلامنا الجميل كانت صفراً على الشمال ولا قيمة لها، وليست لها أى حقوق، وسهماً من سهام إبليس، وكل مصائب الدنيا هى من ورائها، ومهمتها الوحيدة فى الحياة أن تكون خادمة لسيدها الرجل وتنجب له الأبناء الأولاد بالذات فإذا أنجبت بناتاً «فوقعتها سودا»، لأنها جلبت عاراً، وإلى هذا الحد بلغت الاستهانة بالمرأة فى ذلك الوقت! ومَنْ أراد الإقبال على الله فعليه اعتزال النساء والانقطاع للعبادة.. وبالطبع لا يوجد أى كلام عن الحب والغرام فى ظل تلك الأوضاع البائسة! وجاء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليحدث ثورة اجتماعية كبرى ويطيح بكل تلك المفاهيم البالية، ويعيد الابتسامة للمرأة ويقرر المساواة الكاملة بين الجنسين، ولأول مرة فى التاريخ كله تصبح لها ذمة مالية مستقلة عن زوجها، وشخصيتها الخاصة بها فلا تلحق بشريك حياتها كما هو موجود حتى اليوم فى أوروبا وأمريكا، حيث يقال «فلانة مدام فلان»، بل تحتفظ باسم أسرتها، والإسلام دين الفطرة الإنسانية، ولذلك أصر على زواج المتدين الذى يقبل على ربه بعدما كان هذا الأمر مرفوضاً فى الدنيا كلها وغير مقبول، ولا يعقل أن يكون للإنسان امرأة فى حياته وهو يعبد خالقه!! لكن إسلامنا الجميل فعلها ودعا إلى الحب والرحمة والمودة بين الزوجين، ومن حق الزوجة أن تخلع زوجها إذا لم يعاشرها بما يرضى الله، والطلاق الذى عرفه الإسلام قبل أكثر من ألف سنة لم يدخل إلى بلاد الخواجات إلا فى النصف الثانى من القرن العشرين، ورأينا المرأة فى عصر النهضة تنطلق فى كل المجالات، فما الذى جرى بعد ذلك؟.. للأسف انهارت الحضارة الإسلامية لأسباب شتى لا مجال هنا لذكرها، وهى لم تنهر بين يوم وليلة، بل سرى الضعف فى أمة الإسلام مئات السنين حتى وصلنا إلى الحال الذى نراه الآن، والاستتبداد السياسى من الأساب الأساسية لهذه البلاد، والنتيجة تغير فى العديد من المفاهيم، خاصة النظرة إلى المرأة بالذات ويريد المتشددون العودة بنا إلى الجاهلية من جديد فى التعامل معها، فالأصل عندهم أن كل ما يتعلق بها حرام! مثل مصافحتها والنظر إلى وجهها، وعليها باسم الدين ارتداء ملابس سوداء تغطى كيانها كله، وبالطبع نظرتها إلى الدنيا ستكون «سوداوية»، فكل شىء حرام فى حرام، وهكذا يتم سحق المرأة باسم الإسلام، وهو ما سماه علماؤنا الثقات «التدين الفاسد» فى تعبير عبقرى أعجبنى لأن التدين والفساد لا يجتمعان عادة، لكنهما اجتمعا عند محاولة الإساءة إلى الإنسان باسم الدين.