لست أفهم طلب الاكتتاب الشعبى الذى دعا إليه أعضاء مجلس الشعب لتوفير نصف مليار جنيه تدفع كتعويض لأصحاب مزارع الخنازير، حتى تتمكن الحكومة من اتخاذ قرار بإعدام 350 ألف خنزير توجد فى مناطق محيطة بالقاهرة، كى نحمى مصر من خطر أنفلونزا الخنازير. ففى تقديرى أن هذا المبلغ لا يشكل أزمة بالنسبة للحكومة. ومن المضحك أن يدعو مجلس الشعب إلى فتح باب الاكتتاب الشعبى لجمعه ودفعه للمستثمرين فى «الزبالة» ومساعدة الحكومة على حل المشكلة!. فهل مبلغ نصف المليار عقدة إلى هذا الحد؟ وهل لا تستطيع الحكومة - أو حتى بعض رجال الأعمال - دفعه؟ أم أن الحكومة والمجلس يريدان من الناس أن يدفعوا ثمن حياتهم وحمايتهم من الموت بهذا المرض؟. إن الهدف الواضح من مثل هذه الدعوة يتمثل فى محاولة تأجيل وتسويف موضوع نقل مزارع الخنازير إلى خارج إقليمالقاهرة الكبرى أو إعدامها بغض النظر عن خطورة الموقف، أو تطبيق القرار على بعضها دون البعض الآخر لعدم وجود السيولة الكافية لدفع التعويضات. وموضوع النقل هذا قديم ويعود إلى البدايات الأولى لظهور أنفلونزا الطيور فى مصر قبل ثلاث سنوات، حين بدأ التحذير من أن فيروس هذا المرض يمكن أن يتحور داخل الخنزير ليصبح أكثر خطورة وسرعة فى الانتقال إلى البشر من ناحية، والانتقال ما بين البشر من ناحية أخرى. وبناء على ذلك تعالت أصوات الكثيرين طيلة العامين الماضيين مطالبة بضرورة نقل مقالب القمامة وحظائر تربية الخنازير إلى خارج الحزام السكانى بالقاهرة وما يحيط بها، واتخذ الدكتور فتحى سعد - حين كان محافظاً للجيزة - قراراً بنقل حظائر الخنازير من البراجيل والمعتمدية وأرض اللواء إلى مدينة 15 مايو، لكن القرار تأجل!. الموضوع إذن قديم وقد تجدد الحديث عنه بمناسبة المواجهة الفعلية لشبح أنفلونزا الخنازير فى المكسيك والولايات المتحدةالأمريكية، وبعض الدول الأوروبية، وأخيراً إسرائيل!، والبعض يشير إلى وجود أيادٍ خفية وراء التباطؤ فى تنفيذ قرار النقل أو إعدام الخنازير، وإلا بماذا نفسر حالة السرعة التى تصرفت بها الحكومة مع أصحاب مزارع الطيور حين ظهر فيروس أنفلونزا الطيور، وحالة «التلكع» التى تتعامل بها مع «الخنازير». ويشير هذا البعض أيضاً إلى «امبراطورية القمامة» التى يقف على رأسها المعلم «إسرائيل عياد» الذى يريد استمرار الحال على ما هو عليه، خصوصاً أنه يستقوى على الحكومة «الغلبانة» ب «الأمريكان» بعد أن حضر 12 عضواً من أعضاء الكونجرس الأمريكى حفلاً لافتتاح مزرعة الخنازير الجديدة التى يمتلكها على الطريق الدائرى ومحور 26 يوليو. فطرح موضوع الاكتتاب الشعبى والانتظار حتى يتم جمع ثمن حل المشكلة من جيوب الناس يفضح هذه الرغبة فى التأجيل، ويبرر ما يذهب إليه بعض الخبثاء من أن هناك من يدفع حتى تبقى «الخنازير» فى أماكنها!، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار أن توعية الناس بأهمية الاكتتاب الشعبى للزوغان من الخنازير يتطلب وجود حملات إعلامية تتكلف الملايين، ولنا فى مشروع مستشفى سرطان الأطفال عبرة وعظة، فالاكتتاب الشعبى لإنشاء جدرانه وتجهيزه بدأ منذ ما يقرب من عشر سنوات تحت شعار «اتبرع ولو بجنيه»، ورغم تدفق الأموال من كل الاتجاهات فإن المشروع لم ينته حتى الآن. فالاكتتاب الشعبى لتعويض أصحاب مزارع الخنازير المطلوب إعدامها لن ينجح فى تقليل المدة إلا إذا رفع شعار «اتبرع ولو بخمسة آلاف جنيه»!، لأن المبلغ المطلوب لابد أن يسدد بمنتهى السرعة. ثم أين رجال الأعمال الذين ربحوا مليارات الجنيهات من دم هذا الشعب لينقفها بعضهم فى أفراح تتكلف بالخمسين مليون جنيه ؟! وأين المسؤولون الذين بنوا القصور والفيلات والجامعات؟ وبكم سيتبرعون فى هذا الاكتتاب. إنه من المنطقى أن يدافع أصحاب مزارع الخنازير عن مصالحهم، وهى ليست بالهينة، يكفى أن نشير فى هذا السياق إلى أن سعر احتكار الاستفادة من مقلب قمامة محافظة 6 أكتوبر وصل إلى ما يقرب من ستة ملايين من الجنيهات فى العام الواحد. المسألة إذن ليست سهلة وهى تدر أرباحاً هائلة على المستثمرين فيها، مما يفسر لدى البعض سكوت عدد من المسؤولين الحكوميين عن الأمر، من منطلق أنه سكوت مدفوع الثمن!. وفى كل الأحوال لابد أن تقوم الحكومة بتعويض أصحاب المزارع بصورة موضوعية، لأن تلكؤها فى تعويض من يقومون بتربية الطيور خلال السنوات الثلاث السابقة أدى إلى تفاقم المرض فى مصر بصورة ملحوظة للجميع. حل المشكلة واضح ولا يحتاج إلى جلسات نقاش أو اجتهادات عباقرة السياسة والصحة، فالخنازير يجب أن تعدم مع تعويض أصحابها، وإجراءات الحجر الصحى يجب أن تفعل . وأرجو ألا تعالج هذه المشكلة الخطيرة بالطريقة التى اعتادت الحكومة أن تؤدى بها، والمتمثلة فى طريقة «الاعتراف بالمشكلة ثم الاختباء وراء الأسباب«. فعندما يتحدث وزير الصحة مثلاً عن زيادة حالات الإصابة بأنفلونزا الطيور نجده يعلن - بشفافية كاملة - عدد الإصابات وعدد الوفيات وينهى كلامه دائماً بعبارة «حنعمل إيه؟» ويبدأ فى إلصاق التهمة بالناس التى تربى الطيور فى بيوتها، ولا تحضر الطبيب البيطرى للكشف على «الفراخ» التى تشعر إنها «بعافية شوية»، ولا تستمع إلى نصائح «شعبان عبدالرحيم» فى أغنياته التوعوية مع الكتاكيت!. ربنا ستر مع «الطيور» لكن الأمر مع «الخنازير» يختلف، لذلك لابد أن تتعامل الحكومة هذه المرة مع أسباب حماية الناس من هذا المرض بصورة مباشرة بعيداً عن احترام «الزبالة»، كمصدر رئيسى من مصادر تكوين «الثروات»، وكوسيلة لتربية «الخنازير»!.